بعد مضي أكثر من أسبوع على إعلان المملكة العربية السعودية وبعض دول الجوار قطعها لعلاقتها مع دولة قطر وإصدارها قائمة بالأفراد والمنظمات الداعمة للإرهاب في إطار مكافحته عالميا وتحديد مصادر إيوائه وتمويله ماديا وفكريا، وبعدما سعت بكافة الطرق الودية والأخوية ومن ثم الدبلوماسية والسياسية أن تعيد الدولة الجارة إلى الاعتدال والتوقف عن الكيد للسعودية وللدول الأخرى، ومع ثبوت ذلك بالأدلة والحقائق؛ إلا أن هناك فئة من المواطنين ما زالت تلتزم الصمت تجاه قضية الوطن مع قطر وتسمي موقفها بالحياد. هذا الحياد إن أردنا شرحه بحسن نية فهو نتيجة تعاطفهم مع الجارة قطر إنسانيا وإسلاميا، وتوقعهم أن أمر هذا الخلاف ليس سوى صراعات دولية ذات طابع سياسي أو اقتصادي طرأت فجأة بين الدولتين.
الحقيقة أن أبعاد هذه الأزمة أعمق مما يظن الكثير وأعمق زمنيا من كونها طارئة لم تتنبه لها السعودية إلا هذه الأيام، ولم يكن التدخل الأخير إلا الخطوة التي تسعى فيها أن تحافظ على سلامة الوطن والخليج من التكتل الحزبي الذي تمادى مع الأيام، ومع التآمر المستمر على الحكومة السعودية والأحلام البائسة في التوسع على حسابها وعلى الإضرار بسياستها الداخلية، ناهيك عن الانتهاكات الأخرى التي شرحتها الجهات المختصة، والتي ظهرت على وسائل الإعلام الموثوقة.
إن دولة قائمة على الانقلابات في تاريخها السياسي تستسهل مع الوقت أن تصبح مأوى لأبواق الخراب وللأحزاب المختلفة التي تصنف يوما بعد آخر بأنها منظمات إرهابية وترعى الإرهاب بأفرادها وإمكاناتها، وعلى رأسها الإخوان المسلمون الذين لا يختلفون في طموحهم السلطوي وبحلم الخلافة السياسية لكل الدول ولو عن طريق تخريبها، لا يختلفون عن أتباع الولي الفقيه في إيران الذين هم الآخرون يتزعمون ويجيشون الميليشيات في بلدان أخرى للوصول إلى أهدافهم السلطوية؛ وكلاهما يركب موجة الدين للوصول إلى غاياته السياسية.
لم تكتف قطر بإيوائها للأحزاب والفصائل والأفراد المطلوبين دوليا لدعمهم للإرهاب والتعاون معهم، بل اتبعت نهج التآمر والانقلاب على السياسات الأخرى المجاورة والكيانات المستقلة والمعتبرة أهدافا تسعى لها وتسخر لها خططها التي تصل إلى حد محاولة الاغتيال كما حدث في التآمر الذي كان بين القذافي وحمد بن خليفة لاغتيال المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وتصل لحدود الخيانة للاتفاقات الوطنية وشرف الكلمة بدس الجواسيس والمخربين كما حدث مؤخرا من تخريب للقوات القطرية التي كانت مشاركة ضمن التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن.
كل هذا تسوق له قطر منذ سنوات بوسائل إعلام لم تخف تعاطفها مع الإخوان وكل ما يخالف وحدة البيت الخليجي، وتسوق له باحتراف وبإمكانات عالية تستدر بها تعاطف العامة أو قناعة المتشككين، فتصبح الحقائق مادة رخيصة في سبيل تحقيق الأهداف الانقلابية والتآمرية الكبرى التي تسعى لها ضد الدول المجاورة.
إن حسن النية والتزام الحياد أمام مواقف واضحة أمر لا يبرر خاصة إذا كان صاحب هذا الموقف يملك القدرة على التعبير عن رأيه تجاه وطنه وتجاه ما يواجه من مواقف متتابعة تحتاج إثبات حسن النية تلك ولو بالإنصاف. أما التعاطف الإنساني مع الشعب القطري الذي تربطه بالشعب السعودي علاقات متعددة فلم تغب عن حسابات الحكومة السعودية، وراعتها كما يملي عليها ضميرها الديني والإنساني، كما راعت عدم قطع الإمدادات الغذائية عنها. حينما تكون الأمور ملتبسة وغير واضحة؛ يصبح الصمت عن الخوض فيها أولوية، ولكن حينما تصبح البراهين واضحة فإن الصمت المتعاطف بالذات خطيئة يدين الوطن صاحبها قبل غيره.