جنون العظمة - البارانويا - مرض يصيب الإنسان، فيجعله يبالغ في وصف نفسه، وسرد قدراته، وتقدير حجمه الطبيعي..
بإمكانك بسهولة أن تتهم من تريد بهذا الداء.. لكن أن تجزم وتمتلك الأسباب فهذا أمر يحتاج إلى تروٍّ وأدلة ودراية!
ليس لدي أدنى شك في إصابة الأمير «حمد بن خليفة» بجنون العظمة، ولست وحدي من يجزم بذلك، وليس وحده من الرؤساء العرب الذين أصيبوا بهذا الداء القاتل!
لقد تصور الأمير «حمد» أنه يمتلك قدرات لا يمتلكها غيره، ويمتلك نفوذا ليس له مثيل.. ويمتلك من الثروات الطائلة ما ليس له نفاد.. ويمتلك من الرجال المخلصين ما لا يتوافر لدى غيره.. ولو بقي الأمر في دائرة الشعور المجردة لأمكننا قبول ذلك.. ولأمكن درء الشر، وإخماد الفتنة وتقليل الضرر.. لكن الذي فاقم الأمور، ونقلها إلى دائرة الخطر أن الرجل أراد أن يثبت للآخرين ذلك.. وليته لم يفعل!
لست طبيبا نفسيا، غير أن ما لدي من خبرة يؤكد لي أن تملق الإنسان، وتمجيده المستمر، من المرجح أن يصيبه
بـ «جنون العظمة» مع مرور الوقت.. ثمة أسباب أخرى لست متأكدا منها هي التي دفعته إلى هذا السقف المرتفع جدا من الطموحات.. غير أنني أرجح شخصيا أنه هرب إلى «البارانويا» بمحض إرادته..!
وأيا كانت الأسباب فلا يمكن لشخص أن يجمع كل هذه المتناقضات السياسية - (عزمي والقرضاوي.. حماس وإسرائيل.. قاعدة العديد وطالبان) - في مكان جغرافي محدد، ويطمح كما يقال إلى أن يصبح «خليفة المسلمين»،
لو لم يكن مصابا بهذا المرض!
غني عن القول إن منطقة «الدفنة» على سواحل الدوحة واحدة من أجمل المناطق في الشرق الأوسط، حيث ترتفع فيها الأبراج التجارية بشكل هندسي خلاب، كنت أردد كلما مررت بها، طيلة السنوات التي عملت خلالها في الدوحة: لو أن الأمير «حمد بن خليفة» غادر المشهد السياسي بكامله، وتفرغ لحياته الخاصة، وترك زمام الأمور لابنه الشاب؛ كي يتفرغ لمواصلة البناء والتطور، لأصبحت «قطر» والله قبلة الباحثين عن الحياة، لقد كانت تمتلك مقومات وإمكانات تفوق جارتها «دبي» عشرات المرات..!
لكنه لم يفعل.. كل ما فعله هو أنه نهض عن الكرسي، واستقام خلف الستارة، ممسكا بـ «الريموت».. والنتيجة ما تشاهدونه اليوم.. ليبقى أمير قطر الشاب في مواجهة مستقبل غامض، مرددا قول أبي العلاء المعري الشهير: «هذا ما جناه عليّ أبي»!