عاش الإنسان آلاف السنين قبل اكتشاف الطب التقليدي «وهو ممارسة الطب عن طريق شخص حاصل على إجازة أكاديمية بالطب». وكان عصب الحياة والطريقة الوحيدة في علاج الأمراض آنذاك هو ما يسمى الآن الطب البديل «أي علاج طبي يختلف عن الطب التقليدي»، وقد أصبح الطب البديل من أكثر المصطلحات المستخدمة في السنوات الأخيرة، نظرا لعجز كثير من الطرق التقليدية في علاج كثير من المشكلات الصحية المستعصية، فضلا عن الموروث الثقافي والتاريخي المؤثر في حياة كثير من شعوب العالم.
يقوم المبدأ الأساسي للطب البديل على علاج الأمراض من وحي الطبيعة والبعد عن المستحضرات الكيميائية بطرق مختلفة، ومنها العلاج بالأعشاب واليوجا والعلاج بالمثل والتنويم المغناطيسي والتدليك والتأمل والإبر الصينية.
يسود الجدل دائما بين الأطباء من جهة، والمناصرين للطب البديل من جهة أخرى، عن مدى فاعلية هذا النوع من العلاجات. فالأطباء يتحججون بعدم وجود دراسات علمية موثوقة عن غالبية أنواع الطب البديل، وعن خطورة بعض هذه الممارسات واستخدام الأعشاب، خصوصا غير المفحوصة مخبريا وطبيا، وذلك لضررها الكبير على أعضاء الجسم المختلفة، منها الكبد والكلى وبعض الأعضاء الحيوية الأخرى.
في الطرف الآخر، يحمل المؤيدون للطب البديل أساطير وروايات تاريخية عن شفاء الأمراض المستعصية، بقصص تشبه قصص ألف ليلةٍ وليلة في بعض الروايات، ويتحججون بأن هذه العلاجات استخدمت لقرون طويلة منذ خلق الله الإنسان على المعمورة، وما زال يُؤْمِن كثير منهم بنظرية المؤامرة، ويتهمون النظام الصحي العالمي بالبعد عن دراسة الأعشاب، لعدم جدواها الاقتصادية، ولاحتمالية تأثيرها على مبيعات الأدوية الباهظة الثمن.
شخصيا، أرى أن الطب البديل قد يجد له مكانا تكامليا مع الطب التقليدي أو الحديث، بشرط ألا يسبب الضرر، فاستخدام الإبر الصينية لعلاج الآلام المزمنة، واستخدام الحجامة بشرط تطبيق شروط النظافة الصحية، قد تؤتيان أُكلهما، ولكن المشكلة الأساسية التي أراها في غالب أنواع الطب البديل، هو ضعف الجانب العلمي الموثوق، وتحويل الإنسان إلى حقل تجارب ربما غير آمنة عن طريق بياعي الوهم والدجل، ومرتادي الشهرة.
لقد استوقفتني كثيرا رؤيةُ أحد المقاطع المنتشرة في «تويتر» عن أحد ضحايا النصب والاحتيال، وذلك بإحراق جسد أحد المرضى وتشويهه بكيّه في أجزاء متفرقة من جسده، وكثير من الأطفال الذين نراهم يوميا بحروق كبيرة في البطن والظهر، أملا في شفائهم من أعراض أسهل مما نتخيلها. في أحد المقاطع الأخرى، رأينا أحد المساكين مربوطا ومعلقا من قدمية كأضحية العيد، في منظر مضحكٍ مُبكٍ لا تستطيع أن تصدقه. قبل شهر من الزمان تداول الجميع إحدى الاستراحات في جدة الممتلئة بالبشر، وذلك لمراجعة رجلٍ أُشتُهر بناره الحارقه، وكان التنافس شرسا للحصول على الكيّة وتذكارها الساخن!
جميع تلك الأخبار والمقاطع والمشاهد، تقودنا إلى ثقافة الطب البديل المنتشرة في السعودية وأجزاء كبيرة من العالم الثالث، إذ إن النصابين والدجالين بإمكانهم الحصول على مئات الملايين جراء بيع الوهم للمساكين والضعفاء والمحتاجين.
محليا، تتنوع خدمات الطب البديل بين ماء أو عسل مخلوط بلعاب الشيخ، أو أسياخ حديدية محمرة الأوداج تسر الناظرين، أو ضرب بالعصي، واستخدام الخنق واللكمات، لتأديب جِنّي متعلق بحب أعرابية!، بل وصل الحال إلى إنشاء قنوات تلفزيونية وحجوزات فضائية لبيع الدجل والوهم، كالقناة الشهيرة التي اشتهرت بوصفاتها الخطيرة التي أدت إلى وفاة كثيرين، وحذرت منها وزارة الصحة السعودية.
ولا يقتصر ضحايا الطب البديل على طبقات معينة، بل يمتد أيضا إلى المتعلمين الذين قد يغرر بهم في وقت حاجة وظروف مستعصية، والبحث عن قشة نجاة.
نصيحتي لضحايا الوهم: اتقوا الله في أجسادكم، ولا تكونوا لقمة سائغة للذئاب البشرية، وأما مُدّعو الطب البديل فنقول لهم: توقفوا، فقد بلغ السيل الزبى، وليس هناك فرق بينكم وبين هوامير «بطاقات سوا» و«مكائن سنجر» و«سوق الأسهم» سوى التخصص فقط، فأنتم هنا هوامير «الطب البديل».