العبارة التي عنونت بها المقال كانت من العبارات التي ترددت كثيرا في خطاب سنوات خلت؛ واليوم بعد عقود من مشروع ما سمي بالصحوة التي اختلط فيها الحابل بالنابل، ولكنها اتفقت على فكرة أن ما قبلها كان غفوة.
ولو تمسكنا بالمفردة والمضاد لها وجدنا الغفوة تشير إلى النوم القليل، أما في معجم المعاني: «صحا النَّائمُ: استيقظ وتنبَّه، صحا القلبُ: تيقَّظ من غفلته، صَحَتِ السَّماءُ: تفرَّق سحابُها وانقشع، وصَحَا القَلْبُ: تَيَقَّظَ مِنْ هَوىً أَوْ غَفْلَةٍ»، ما يهمنا ليس الغفوة، ولكن الغفوة تشير إلى مدة محددة، أما الصحوة فتوحي بأنها الأصل!
نعود إلى العنوان لنسأل ما هي الصحوة المباركة؟
في عرف من عاش ما سمي بالصحوة وهي في أبسط تعريف فترة شاع فيها خطاب متدين، وإلى هنا لا غرابة إلا أن هذا الخطاب كان الغالب عليه نبرة ارتفاع الصوت المتمثل في خطب شاعت وراجت مسجلة، وإلى حد ما
ارتبط بعضها بمنابر المساجد لا في خطب الجمعة فهي مقننة إلى حد بعيد بل إلى خطب إضافية بعد الصلوات المفروضة عصرا أو مغربا أو عشاء، وتصالحنا مع سماع الخطب بعد الصلوات.
أعود إلى التذكير بأن هذا الخطاب كان جاذبا لا لمن يملك علما حقيقيا بل من أظهر تدينا شكليا، ومصطلحات اختلط فيها الذكر حمدا وتسبيحا بأفكار ناقدة، ولا غضاضة، لولا أن هذا الخطاب كان ممرا آمنا لأفكار سياسية من ناحية ونظرة غير واعية للإسلام، من جانب أن المتصدين لهذا الخطاب لم يمتلكوا معرفة دينية حقيقية، بل حماسة للتغيير صاحبها رغبة في التصدر على المنابر، وعند المجتمعات التي تأثرت بهذا الخطاب كانت الرغبة الصادقة في معرفة الإسلام، وتتبع السنن واستعادة أزمنة قوة وعزة الإسلام أرضا خصبة لبذرة الصحوة أثمرت أكثر مما توقع منها.
لنعد إلى اليوم ونترك تلك المرحلة ونقيم بعض نتائجها بإنصاف، فمن الملاحظة انتشار التدين بين الشباب، وكمية من المعرفة الدينية، وهذا ممتاز لولا أن هذه الأرض كانت بذرة لتمرير أفكار سياسية وتشدد غير مبرر، قاد عددا غير قليل من الشباب خاصة للنفور من هذا الخطاب، بعضهم كان واعيا لما يرفضه، وكثير منهم رغبوا في التعاطي مع الحياة دون قيود ومحرمات ضاقوا بها.
اليوم نجد الداعية أو الشيخ يرق خطابه، وينتبه أنه تشدد وأساء الظن وأن الشباب يملؤون المساجد، كما نجد
المنشد يتحول إلى موسيقي، ونجد المظهر المتدين يختلف حتى ارتدى السعودي البدلة وقام واعظا، ولا مشاحة
في التحول، فالحياة مبنية على التحول لا الثبات، ولكن ماذا حل بالصحوة كفكرة اليوم؟
في اليوم الذي تحول الإرهاب إلى كرة نار تتقاذفها الأيدي من الشرق المسلم إلى الغرب، وبين يديها نجد شبابا يقتلون ويقتلون، ونجد أن الضحايا من المسلمين أضعاف غيرهم، ولو أخذنا جانب القتل والتفجير فقط الذي أصبح مقبولا للأسف، وارتبط بجماعات تفعله باسم الله وترفع التكبير الذي كان أذانا للصلاة، وأصبح أذانا للقتل في شارع أوروبي أو مسجد ببلد عربي لا فرق، هل للصحوة يد بهذا؟
الهجوم على بعض البرامج الدينية كبرنامج صحوة الذي يستضيف يوميا الدكتور عدنان إبراهيم ويحاوره الدكتور أحمد العرفج، لا يعفينا من النظر في واقع المسلمين الذين أصبحوا في مرمى السهام، من أعدائهم الرافضين يوجهون نقدهم لأفكار ومواقف من الدكتور عدنان، ومن آمن بمضمونه وهو الحاجة إلى الصحوة لنقل الثانية إن قبلنا جدلا بصحوة أولى، فالخطاب المؤجج ضد الآخر أشد القنابل المتفجرة في خطابنا الديني اليوم، الذي يحرك سياسات معادية ضدنا، و«نا» هنا تعود على المسلمين أجمعين.
الغريب أن من يميل إلى الاعتدال من الدعاة يواجه بعنف وتكذيب أحيانا، وهذا ما يوحي بأننا نسينا أن العودة عن الخطأ فضيلة.
ختاما برنامج صحوة وغيره من البرامج الدينية يشير إلى أهمية مخاطبة وعي المجتمعات الشابة بلغة معاصرة تواجه مشاكلهم ولا تعزلهم عن واقعهم أو تزج بهم في صراعات الماضي ومعاركه.