بصرف النظر عن موقعنا في أي مواجهه إن كان دفاعيا أو هجوميا، يبقى الإعلام جزءا رئيسيا من عملية تكوين المواقف وتحديد الأسباب والأهداف، واليوم ونحن نمر بالمنطقة بمواجهة حقيقية بين من يشرعن للإرهاب ويدعمه، وبين من يدافع عن حق الشعوب في الحياة الكريمة والآمنة، فإننا لا زلنا نعمل دون أن يكون لدينا إستراتيجية متكاملة في كيفية التعاطي مع المكون الإعلامي خصوصا على المستوى الدولي.
ليس خافيا على أحد أننا في موقفنا الرافض للإرهاب وتمويله، نؤكد أننا نعمل وسنعمل على طمس كل ملامح هذا السرطان القاتل، والتصدي لجميع الجهود التي تتخذها دول وجماعات للنيل من استقرارنا ووحدتنا الوطنية والإقليمية، ولكن العمل السياسي الصامت وحده لا يكفي وكذلك العمل على إقناع المحيط القريب وحده ليس بالضرورة الكفيل بإقناع العالم من حولنا، فإن كنا جندنا كل المنصات الإعلامية التقليدية منها والحديثة لتبيان موقف بلادنا من التعنت والتحايل الذي تتبعه حكومة قطر، إلا أن المواجهه السياسية التي من شأنها أن تحدد ملامح المستقبل للمنطقة تتشكل وتتحدد بمشاركة العالم بأكمله، لذا فالحديث لهذا العالم بشكل يحقق أهدافنا أمر لازم وحتمي وهو ما لم يتحقق بالشكل المطلوب حتى الآن.
حكومة قطر قامت قبل أيام بتعيين النائب العام الأميركي السابق «جون اشكروفت» مقابل 2،5 مليون دولار لمدة 90 يوما للضغط (Lobbying) لصالحها في أروقة القرار الأميركي والترويج لأجندتها في وسائل الإعلام الأميركية، في محاولة لتوجيه الرأي العام والمشرع الأميركي باتجاه تبني مواقفها من الأزمة الأخيرة بينها وبين دول الخليج، في حين اكتفينا نحن كما هو باد لي و«أنا مراقب للإعلام الأميركي المحلي بحكم إقامتي في أميركا» بتصريحات مقتضبة نقلتها وسائل الإعلام الأميركية بشكل ميكانيكي دون أي تعليق يدعم رأينا ويؤكد حقنا فيما اتخذناه من مواقف سيادية.
يعلق البعض بأن موقف الرئيس ترمب مما اتخذناه من قرارات يكفينا، فهو مؤيد لنا ومتفق معنا في كون قطر تمادت في غيها وحان الوقت لإيقافها عند حدها، واستئصال أي قدرة لها على الإكمال في مواقفها الداعمه للإرهاب، والضغط عليها باتجاه تغيير مواقفها أو دفع ضريبة التعنت إن رفضت، وعلى الرغم من أن تصريحات الرئيس ترامب تصب في مصلحة مواقفنا في هذه المواجهه، إلا أن الركون لهذا الأمر فقط دون أن يكون لدينا امتداد حقيقي لهذا الموقف في أروقة القرار التشريعي والشعبي في أميركا، يعني أننا للأسف لم نفهم كيف تدار الماكينة السياسية في أميركا، ونجهل أن لعبة القرار الأميركي لا تصب دائما في جانب الحق بل تصب في جانب الأقوى والأقدر على الإقناع.
الجهد الذي يقوم به البعض لتبيان الموقف السعودي عبر منصات التواصل الاجتماعي كبير ويشكر عليه، والأدلة التي تقدم يوما بعد يوم وتثير التساؤل والاستهجان من الموقف القطري، تمكنت من إقناع الشارع المحلي بأننا على حق، ولكن يبقى إقناع من يحرك الشارع حول العالم (المواطن + المشرّع) بأننا على حق، أما الاعتقاد بأن السيد ترمب وحده يكفي فذلك اعتقاد ساذج فيه كثير من العنترية التويترية والمكابرة العمياء.
خاطبنا أنفسنا بما فيه الكفاية وعلينا اليوم أن نسرع بتوجيه خطابنا السياسي والإعلامي لعقل وضمير العالم، وبلسان أعجمي مفهوم وبمنطق سياسي مقبول وبأدوات إعلامية وسياسية نابعة من صميم تكوينهم.