يستأذن الإنسان، فايز المالكي، على الهواء مباشرة، من ملايين المشاهدين وهو يجيب عن السؤال: ماذا فعلت بنوكنا من أجل العمل الخيري ومن أجل الكذبة الكبرى في مصطلح المسؤولية الاجتماعية.
كان جوابه العفوي إلى هذه البنوك: الله لا يكثر خيركم، فنصف السجناء اليوم في باب الديون هم من مقترضي
هذه البنوك. سبح بي جوابه الصريح إلى خيالات واسعة. نحن نستورد المصطلحات البراقة، وخصوصاً في الجانب الإنساني والاجتماعي من الغرب بالتحديد دون أن نستورد معها ثقافتها ولا قوانين تطبيقها ولا حتى وسائل تركيبها على أنساق حياتنا المختلفة. وفي المثال على هذا لا أجد أدق من استيرادنا الفج لمصطلح المسؤولية الاجتماعية. استوردناه من مصدره الأصل تماماً مثلما نستورد جهازاً تقنياً ضخماً بالغ التعقيد ولكننا لم نستورد معه «كتالوج» التركيب، ولهذا ظل المصطلح، مثل الجهاز، مجرد خردة من أكوام الحديد في المستودع. كل ما حصل، أن بضعة تكتوقراط، أو أكاديميين، ذهبوا إلى الغرب في دورات ترفيه قصيرة ثم سمعوا خلال هذه الدورات عن مصطلح «المسؤولية الاجتماعية» فعادوا إلينا يبشرون به دون أن يتعلموا على الأقل طريقة تفكيكه وتركيبه.
البنوك والشركات والمصانع ورجال الأعمال يظنون أن شراكة «المسؤولية الاجتماعية» هبة منهم ومنحة وتطوعاً وتبرعاً من باب الصدقة إلى المجتمع.
المستورد للمصطلح والمستقبل له في مجتمعنا لا يعلمان أنه في المصدر «الغرب» إلزام وقانون وحق مفروض للمجتمع من رأس المال.
كنت في بحر الأسبوع الماضي في مدينة حدودية صغيرة وأنا أشاهد على الشارع العام تلك النكتة الكبرى لمصنع أسمنت يداوم منذ ثلاثين سنة على إعدام البيئة الهشة لهذا المكان، ويكسو الأرض والسماء بالغبار ثم ينصب على الدوار المتهالك في تقاطع شارعين ذلك المجسم القبيح الصدئ، ثم لا يخجل من وضعه أن يكتب تحته لوحة مكتوب عليها «إحساساً بالمسؤولية الاجتماعية...».
البنك الذي يحتل حول منزلي ناصية الشارع العام يتبرع بعد إلحاح لحفلة دار التأهيل الاجتماعي في مدينتي بكارتون من التقويم الهجري وبضعة أقلام وتذكارات، وكلها مختومة بشعار البنك، وكأننا وهبناه هذا الفتح المبين، بإضافة المعاقين وأهاليهم إلى دائرة انتشاره الدعائية. البنوك نفسها هي من بادر بالإعلان عن أنها لن تمس هدية خادم الحرمين الشريفين إلى مرابطي الحد الجنوبي في راتب الشهرين وكأنها تنازلت عن حق مكفول. تستغل حتى مثل هذا الخبر السعيد في تمويله إلى دعاية للسبق والمبادرة.