برزت النكتة السعودية مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وقد ظلت لعقود مرتبطة بروح النكتة المصرية والتي برزت من خلال أعمالهم التمثيلية، إلا أن السعوديين قدموا شكلا لاذعاً من النكتة يتناول كل شيء، ولم تكن ثقافة النكتة طارئة أو جديدة على المجتمع السعودي، غير أن غياب صناعة وسائل التعبير التمثيلية أخفت ذلك، حتى ظن البعض أن مسلسل (طاش ما طاش) مجرد حالة استثنائية.

التنافس على النكتة في حسابات التواصل الاجتماعي تحول إلى أهم أسباب زيادة المتابعين، وتنافس عليها الكبار والصغار، ولم يترك السعوديون أي موضوع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي إلا وتناولوه بقالب النكتة اللاذع، والتي تشبه الأبيات الشعرية الذائعة، وخاصة مع تغريدات تويتر المختصرة والتي لاقت شعبية كبيرة لدى السعوديين لعدة أسباب، منها ملاءمة الإيجاز للثقافة الشعرية السعودية وتوافقها مع موروث الأجوبة المسكتة في ثقافتنا العربية، وبغض النظر عن سلبيات الأجوبة المسكتة إلا أنها قالب ثقافي مهم.

السائد بين الناس هو أن الميل إلى النكتة عند الشعوب يحدث بدوافع الكبت والإحساس بالقهر، غير أن ذلك غير مسلم، حيث إن روح الفكاهة والسخرية قد تكون سلوكا اعتياديا طبيعيا سويا. ويربطها آخرون بامتلاك صاحب النكتة أو الجواب المسكت بمستوى أرفع من الذكاء، غير أن ذلك أيضا غير مسلم، فقد تكون النكتة انعكاساً للمغالطات المنطقية أو الغباء ونقص المعرفة.

يفسر أحد الأصدقاء طبيعة النكتة عبر تصويرها حاسوبياً واعتبارها خطأ في المنطق أو حالة error تدل على عدم الفهم. أما الفرق بين الذكاء والغباء فهو في حالة التظاهر بعدم الفهم أو عدم الفهم الفعلي، فعند ظهور الخطأ المنطقي يمكن للإنسان الذكي فهم أبعاد النكتة، ولكن الشخص الأدنى حظاً من الذكاء، قد يتفاعل مع الخطأ المنطقي باعتباره حقيقة مسلمة.

طريقة النكتة غالبا ما تعتمد على الجواب المسكت، ولكن الأخير يبرز أيضا في النقاشات دون شرط الوصول إلى الضحك، وقد تجتمع الطريقتان عندما يكون هناك سؤال وجواب، فقد أكل أعرابي عند أحد الولاة وكان شرهاً، فقال الوالي: مالك تأكل الخروف كأن أمه نطحتك؟! فقال الأعرابي: ومالك تشفق عليه كأن أمه أرضعتك؟!

هذا الجواب يعطي نتيجة خاطئة، ولم يكن جوابا مباشرا على السؤال، إنما جواب استنكاري أغلق الحوار، وقد يأتي الجواب المسكت بنية تشتيت المنطق لأسباب شخصية، فقد هاجم كاتب مغرور الأديب البريطاني الساخر برنارد شو، قائلا له: أنا أفضل منك، فإنك تكتب بحثا عن المال، وأنا أكتب بحثا عن الشرف، فرد عليه برنارد شو على الفور: صدقت، كلٌ منا يبحث عما ينقصه!

فالكاتب الذي هاجم الأديب قد لا يكون غنياً، ولكن جواب الأديب كان خطأ في المنطق، وهروباً من الجواب المباشر عبر ربطه بشخصية الكاتب وبنقائصه، فأدى ذلك إلى إثارة العقل، وكان سببا في الضحك والذي ينطلق أيضاً من عنصر المفاجأة للجواب غير المتوقع.

قد لا يضحك البعض لنفس النكات، وذلك لاختلاف الثقافة الفردية أو الجماعية، فالنكتة التالية تؤكد ذلك: يروى أن راقصة «شرقية» شهيرة رأت الأديب نجيب محفوظ وهو يركب سيارته المتواضعة، بينما هي تركب سيارتها الفاخرة، وقالت له: انظر لما فعله فيك الأدب! فرد قائلا: انظري لما فعلته فيك قلة الأدب!

فرقص النساء الشرقي أو رقص النساء بشكل عام قد لا يرتبط بالعيب في عدة ثقافات، كما أن معرفة المستمع لطبيعة الرقص الشرقي والتي تميل إلى إسعاد أو إضحاك الناس بهز الجسد تساعد على الضحك من النكتة، ولذلك لن يستوعب بعض الناس في ثقافات مختلفة مغزى النكتة، وقد يتفاعلون معها كقصة قصيرة غير مفهومة.

وقد تقوم نكتة الجواب المسكت على التلاعب باللغة.. قال أحدهم للمتنبي، عندما رأيتك من بعيد ظننتك امرأة، فرد عليه وأنا أيضا عندما رأيتك من بعيد ظننتك رجلا!

كلما ارتفع مستوى المنطق لدى الأفراد قلّ ميلهم إلى المغالطات المنطقية، ولذلك نجد قدراً كبيراً من المثقفين والمتعلمين أو الأذكياء ممن لا يملكون حس النكتة بسهولة، لانشغال تفكيرهم بالمنطق، ومع ذلك قد تتغير أطباعهم بعد الوصول إلى مستوى متقدم من فهم الأشياء من حولهم ليصبح ميلهم إلى السخرية من باب التسلية أو إثارة الآخرين وغير ذلك.

حب النكتة أو الأجوبة المسكتة، له مستويات، وقد يصل إلى حد الإسفاف، ولكنه ضروري لحياتنا، بل يسهم في إثارة المخيلة وزيادة النباهة من خلال ملاحظة أخطاء المنطق.

فالكثير من المبدعين كالكتاب والشعراء والفنانين وأصحاب المبادرات والمشاريع المختلفة، قد يلاحظون أخطاءهم من خلال سخرية الآخرين من أخطائهم، وهذا قد يزيدهم انتباها وذكاءً وإبداعاً.

ولذلك فانتشار النكتة في السعودية هو انعكاس لحيوية العقل السعودي الاجتماعية في اصطياد الأخطاء المنطقية، سواء كان ذلك انعكاسا للذكاء الرفيع أو العكس، وذلك بحسب مستويات الوعي أو الذكاء المتفاوتة بين الناس في كل مجتمع بشري.

كما أن ثقافة النكتة تؤدي دورا إيجابياً في تطوير الوعي إن لم تصل إلى مرحلة الإسفاف أو الاغتيال المعنوي للآخرين، مما قد يؤدي إلى أعراض نفسية سلبية كالاكتئاب ونقص الثقة بالنفس أو انهيار الصداقات وهيمنة سوء الظن، وهذا ما يؤكد حاجتنا إلى مزيد من الثقة والعقلانية والتفاعل مع ثقافة النكتة بإيجابية.