عند زيارتك لأي مدينة في دول العالم الأول وعند أولى خطواتك خارج أرض المطار تلحظ خطوط المشاة لترشدك لمكان سيرك على الطريق وتصاحبها اللوحات الإرشادية والإشارات الضوئية وتشاهد الناس وقد اصطفوا للعبور وتتوقف السيارات بانتظام تام خلف هذه الخطوط، وحتى في الأماكن التي لا يوجد بها إشارة ضوئية فمتى ما شاهد قائد السيارة خطوط مشاة يعلم جيدا أن عليه التوقف، ريثما يعبر المشاة الطريق وإلا عدّ ذلك مخالفة تستوجب العقوبة, فثقافة السير مرسخة بشكل كبير في أذهان الناس بتلك الدول، وذلك ما تعلموه منذ الصغر في رياض الأطفال والمدارس والجامعات، فهم يمارسون نمطا ممنهجا لترسيخ قواعد السلوك العام وفق أطر محددة ومقننة ليمارس كل شخص دوره لتطبيق هذا السلوك، بدءا من المشاة ومرورا بقائدي المركبات، وانتهاء برجال المرور الذين يقومون بإيقاع المخالفة بكل من لا يلتزم بالنظام.

سيصيبك الحزن حتما عند مقارنة هذا المشهد بما نراه في شوارعنا فلا تكاد ترى خطوط المشاة لأنها قد اختفت تقريبا وبهت لونها حتى أصبحت في طي النسيان وهو الغالب في معظم الأمر، وتجد السيارات قد توقفت فوق هذه الخطوط دون مبالاة قائديها، لأنه وبكل بساطة لا يطبق بحقهم أي عقوبات, وعلى صعيد ذي صلة تعاني شوارعنا قلة جسور المشاة مما يحدو الكثير لقطع الطرق عشوائيا، معرضين حياتهم وحياة الآخرين للخطر، وفي كثير من الشوارع المهمة والحيوية تجد أن أكثر جسور المشاة الموجودة قد عفا عليها الزمن وأصبحت مهدمة لسوء الصيانة، هذا إن تم عمل أي صيانة لها حالها حال العديد من المشاريع التي لدينا والتي يتم إطلاقها دون تطبيق برامج صيانة فاعلة فتجدها وبعد مرور أشهر قليلة أو سنوات بسيطة قد تكسرت أو أصابها العطب.

إن صيانة الأرواح من أهم المكتسبات لجميع الشعوب، وأزعم أن أمورا صغيرة مثل خطوط وجسور المشاة لو طبقت بالشكل المأمول لحدت بشكل كبير من حوادث قطع الطرق التي نراها ونسمع عنها بين الحين والآخر.