تتعرض بلد الإنسان أحيانا إلى أزمات داخلية، وأخرى خارجية، ومع أن السلامة من ذلك أمل الجميع، إلا أنها قد تتأخر أحيانا.. مواقف الناس مع بلدانهم عند الأزمات ينبغي أن تكون متوافقة مع التوجه العام لقادتها، ولا يليق بعاقل أبدا أن يخذل وطنه في المواقف الحساسة، أو أن يقوم بتثبيط الآخرين؛ من خلال مواعظ باهتة، كمثل «غدا تتصالح الدول، وتخسر الشعوب»، وغيرها من عبارات لا طعم، ولا لون، ولا رائحة لها..

شخصيا أشد على يد من يطلق عبارة «غدا تتصالح الدول»، فيما لو قالها مطلقها رغبة في التصالح، أما أن يطلقها ويفهم منه ومنها عدم الاصطفاف مع الوطن؛ فلا وألف لا، خاصة وأن التصالح أمر مطلوب ومرغوب فيه، شريطة أن يكون حقيقيا، وليس تصالحا نفعيا صوريا هشا.. الحكمة ـ وهي أمر عزيز ـ تقتضي من أن يكون الإنسان (حربا على من حارب) بلاده، ولا يضره غدا أن تتصالح بلاده، وأن يتصافح الخصوم؛ فيكون (سلما على من سالم) بلاده؛ أما أن يقبل المساومة على داخل البلاد، وعلى سيادة الوطن، وعلى أمنها الوطني فهذا عيب فاضح، وربما لا عيب في أن أسمي ذلك خيانة، أو طريقا يؤدي إلى الخيانة، خاصة وأن الوقوف مع الوطن، ليس كلاما في السياسة؛ حتى أننا نقول بمنعه عن غير المتخصصين في خبايا ودهاليز السياسة، بل هو أمر مصيري..

من المؤسف حقا، أن يكون بيننا (طابور خامس)، وأن يعيش بيننا من لا هم له، إلا أن يفت في قرارات الوطن، ويخذل الناس، ويحبطهم، ويزور لهم الحقائق، ويزيف لهم الوقائع، ويروج الأكاذيب، ويتدثر بأغطية الحكمة الزائفة، والعقلانية البالغة، وعمق التحليلات السياسية، والفتاوى المتعمقة، التي تلوي أعناق النصوص الشرعية، لخدمة أغراض خاصة؛ وعلى الجميع أن يحذر ـ بفتح الياء، وبضمها ـ من كل من يحاول الوقوف ضد الوقوف مع الوطن، خاصة وأن كل الدلائل والمؤشرات أكدت وتؤكد على أن محاولات التربص به كانت قديمة، وما زال حبكها مستمرا..

أختم بتكرار أن الحرب على من حارب الوطن (حاليا)، فوق أنه أمر شرعي، هو أمر عقلي، ولا يقدح في النقل ولا في العقل أن يكون الإنسان سلما على من سالم وطنه (لاحقا)؛ إن عاد خصومه إلى رشدهم، وعسى ذلك أن يكون قريبا، وحتى ذلك الحين وقبله وبعده، لا بد أن تظل بلادنا في أعيننا وعقولنا شامة نفاخر بها الجميع، ونظل جميعا حكاما ومحكومين، ومن يعزنا ونعزه؛ مرفوعي الجبين، ننافح عن بعضنا البعض بعزة وأنفة وكبرياء؛ ضد كل يد غادرة، ولسان متفلسف، وعقل غير حصيف.