أصدرت وزارة الشؤون الإسلامية والإرشاد في 11 من مايو لهذا العام، تعميما يقضي بمنع استخدام مكبرات الصوت في المساجد أثناء أداء صلاة التراويح، تجنبا لاختلاط أصوات المساجد ببعض نظرا لتقاربها، وكذا درءا للتشويش الحاصل على المصلين وقتل خشوعهم.
والغريب أنك لا تكاد ترى مسجدا واحدا من 94 ألف مسجد التزم بهذا التعميم!
والحق أن هذا التعميم كان صائبا جدا، لأنه علاوة على تشويش خشوع المصلين في المساجد الأخرى، فإن هناك من المسلمين من تحكمه ظروفه فلا يؤدي صلاة التراويح مثلا أو القيام إما صحية أو اجتماعية أو ظروف عمل أو غير ذلك.
وأضيف على ذلك أن الباعة والمتسوقين في الأسواق يستحيل أن يبقوا منصتين لتلاوة الذكر الحكيم كما أمر الله بذلك عند قراءته في المكبرات، وذلك لانشغالهم بأمور البيع والشراء وغير ذلك من مباحات الحياة وضرورياتها، فهنا يوضع الناس في حرج بين الاستماع والانصات أو ممارسة حياتهم!
وأردف على ذلك أن مكبرات المساجد يتحكم فيها بلا معيار أو مرجع أئمتها ومؤذنوها بل والمصلون أحيانا؛ فتجدها مرتفعة جدا تخالف الوضع الطبيعي المألوف، فلا يتحدثن متحدث بأنا لا نود سماع كلام الله، لكننا نتحدث عن الأمر المعقول، فدين الله ليس نواحا ولا صياحا ولكن (اغضض من صوتك)، فلا ضرر ولا ضرار..
ولتصغ إلي عزيزي القارئ لوهلة؛ أوليس الغرض من المكبرات هو جمع الناس للصلاة؟! فإذا أدّي الأذان عبرها واجتمع الناس فما الحاجة إلى أداء الصلاة خلف لاقط الصوت؟! فمن قال لنشر ذكر الله في الأجواء فإن ذكر الله أعظم وأجل من أن يطلق في الهواء مخالطا أحاديث الناس ومنبهات السيارات!
إن تعظيم ذكر الله تعالى يكمن في ذكره باللسان وذكره في المجالس والنوادي واتباع شرعه الطاهر؛ (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني).
يجدر بنا عزيزي القارئ أن نذكر ما قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عندما سئل عن حكم إغلاق المكبرات أثناء الصلاة فكان مما قاله: «عليهم أن يطيعوا الله ورسوله وأولى الأمر، ومن طالب بفتح المكرفونات الخارجية فقد أخطأ لأنها تشوش على من حولهم؛ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عندما وجدهم يجهرون بالصلاة قائلا: (لا يؤذين بعضكم بعضا بالقراءة)، فجعل ذلك إيذاءا، وقال: (لا يجهر بعضكم على بعض في القراءة)، والأذية في هذا مؤكدة ولا إشكال فيها؛ فالصواب بلا شك أنها تُقفل حتى وإن لم تأمر بذلك»، انتهى كلامه رحمه الله.
وقد ذكر الإمام مالك في الموطأ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن المصلي يناجي ربه، فلينظر بما يناجيه ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن).
وهنا يتضح جليا موقف الشرع الحكيم بنهيه عن هذه القضية؛ ولا مانع من جعل جوامع المدن الكبيرة ترفع الأذان إعلاما للناس بحلول فرضهم، أما الصلوات فقد وصف رسولنا الكريم رفع الصوت على الآخرين في أدائها أذى؛ فبأي حديث بعده يؤمنون!