يجهد الإنسان نفسه لمعرفة ما يدور في عالمه، بل واجتاز عالمه القريب الأرض ليسافر في فضاءات بعضها من خيال يبحث في نظريات الفلسفة عن إجابة لأسئلة الكون، معتمدا على نظريات الفيزياء تارة، وعلى مقاربة واقعه تارة أخرى.

شدني تعليق للأستاذ عبدالإله القحطاني في حديثه في ورقة قدمها في الحلقة الفلسفية الأسبوع الماضي عن الكتلة ونسبة النواة للذرة، وأنها من الضآلة ما يكفي لأن نقول إن الفراغ المحيط بها في فضاء الذرة يوحي بأننا في محيط حر نعجب فيه كيف يمكن أن تصطدم الأجسام ببعضها البعض في هذا الفراغ!

ذكرني كلامه بطرح الدكتور محمد شحرور في برنامج النبأ العظيم أن الحرية هي المشيئة التي ميّز الله الإنسان بها على بقية الكائنات ولهذا يحاسبه بناء عليها.

الحرية أو الفضاء الحر من أعظم ما يملكه الإنسان للتفكير والتعبير، وهذه الحرية تعبر عن وجودها إن استحال عليها ذلك لسوداوية أو عجز عن الاتساق ذلك مع الواقع تفعل خلال عوالم أخرى يختارها الإنسان كاتبا أو شاعرا أو فنانا ألوانه تناثرت على لوحة لتقول ما في النفس.

الفن والأدب الصادق تعبير عما في النفس، وقد يرتقي لهما النقد فيما يشبه طريقا موازيا يراقب العابر فيه الطريق الموازي صاحبه فيرصد حركاته ناقدا أو يتجاهلها أو يحسب لها حسابا في عمله وإبداعه. في داخلنا فنان وناقد قد يظهر هذا أو ذاك وقد يغيبان فننفصل عن واقعنا ونقترب من واقع مصنوع مزيف يشبه فكرة نظرية الأوتار السبعة في الفيزياء عوالم متجاورة كشرائح الخبر، لكن لكل شريحة أو عالم وجود مستقل بذاته.

العوالم الموازية جميلة إن كانت حنينا لماض لا يعوق واقعية الحاضر ولا خطط المستقبل، وهي في المراهقة أحلام يقظة، ولكن إن استمر بنا في تكوين عوالم موازية فهناك خلل ما يجب تداركه؛ فإن كان الفنان خياليا فهذه سمة المبدع، لكن الخيال لا يصمد إن كان مجرد تجديف يبعد الإنسان عن واقع معاش، فكما أن الفنون الخيال فاعل بها فهو ينقل الأفكار للمتلقين بجمال إلا أنه إن لم يكن فنا فهو هروب.

العالم الموازي يصبح خطيرا جدا إن كان سعي العاجز للمجد وأذى لآخرين يشبع فضول الفضوليين، فهو يصبح خيانة؛ والخونة في أبسط تعريف بشر تشترى ضمائرهم بالأموال حتى يعدمون معنى الضمير، وما نعيشه من أزمات في الأوطان العربية يتأثر كثيرا بهذا المعنى!

كيف كان شكل الأوطان العربية لو تم التخلص من الخونة المفسدين في العقود التالية للاستقلال، بدلا من التسامح معهم. خيانات قادت للدمار في محيطنا وتحاول الوصول إلينا وتحلم أن تجيش الشباب ضد وطنه باسم التغيير.

الخائن البائع وطنه وقضيته والمقدم مصالحه أو سعيه للتخريب على ما أمر الله به من عدل وإيمان وإحسان يظن الناس كنفسه؛ مع العلم أن ثمن الخسة والعار لا يرتضيه الأحرار وعودا على مفهوم الحرية أراها وجودا حرا لا ينفك عن قيم الوجود من العدل والإحسان والصدق الذي يحميك من أن تبدو مهللا ضعيفا أمام نفسك أولا، أو تكون مزيفا تساوى عندك الخير بالشر.

من مفهوم الكتلة الضئيلة في الفضاء وتصادم المصالح الإنسان الجاهل الحاسد يظن أن كل خير في حساب غيره إنما هو نقص فيما لديه، ونجد الناعق للخراب المترقب له فتدهش للمسافة الشاسعة بين حمائم السلام وغرابيبها السود!

المفارقة أن الإنسان يمعن في السعي والبحث والاكتشاف وهو ما يزال يجهل ما يدور بداخل كونه الخاص كصحته، أو أسرته، متجاهلا سؤال من أنا؟