بعد قطع العلاقات مع قطر مؤخرا، ما عاد السؤال «هل نحن مقبلون على شرق أوسط جديد؟»، إنما السؤال الصحيح الآن هو «ما ملامح الشرق الأوسط الجديد؟»، فقد حسم وانتهى النقاش وبدأت فعليا مرحلة التنفيذ، بدأ الانتقال من واقع لواقع آخر مختلف كليا، والسعودية اليوم هي من تقود هذا الحراك، وإنها تقوده بجد وصرامة للدرجة التي تجعلها لا تتهاون ولا تحابي ولا تجامل حتى الجارة والشقيقة، وفي هذا دلالة على أن السعودية تستشعر اليوم بمسؤولية القيادة، فلا تهاون ولا محاباة ولا يمكن أن يكون للسفينة قائدان أو أكثر، قائد السفينة واحد، والسفينة قد أبحرت، ومن يمتنع عن الصعود فسيتم عزله وتركه للغرق واللطم.
السؤال إذا: ما طبيعة الشرق الأوسط الجديد، ما ملامحه؟، وقبل الإجابة لا بد من التعريج على سورية، فشياطين الإنس والجن وعفاريت الدين والسياسة منذ سنوات وهم يرابطون في سورية ويعملون على تفتيتها، وبعد كل الجهود الشيطانية المضنية لم ينجحوا أبدا في تقسيم سورية ولم ينجحوا في عزل أهلها عن إسلامهم وعروبتهم، إذا، من الغباء القول بأن الشرق الأوسط الجديد الذي يراد لنا أن نعيشه هو شرق أوسط ممزق مبعثر نعيش فيه منفصلين تماما عن إسلامنا وقيمنا ومبادئنا، من الغباء الاعتقاد بهذا الأمر لاستحالة تحققه، فلا الدول العربية ستتمزق ولا الإسلام سيُرحل للهامش، ولو كان هذا الأمر في استطاعة أحد، لنجح شياطين الإنس والجن على تحقيقه في سورية، لكن هذه الفرضيات والخزعبلات لم ولن تحدث، لأن عقيدة الإسلام والأرض أقوى من كل المكائد والمؤامرات.
إن الشرق الأوسط الجديد الذي تقود السعودية الإبحار إليه، هو ببساطة شرق أوسط «نظيف»، شرق أوسط هادئ، شرق أوسط لا أحزاب فيه ولا تحزبات ولا إخوان ولا سلفية جهادية، لا لطم فيه ولا صرخات بـ«يا حسين»، لا ملالي شياطين ولا حرس ثوريا ولا ميليشيات وعصابات طائفية، لا حزب الله ولا داعش ولا أبطال من ورق.
هذه ملامح الشرق الأوسط الجديد، ومن أراد الانتقال فمرحبا ومن امتنع فسيتم عزله وتركه وحيدا مع الملالي والإخوان وجحافل المرتزقة، يلطم كما يلطمون إلى أن يئن كما يئنون. المسألة أكبر من قطر ومن السعودية ومن الخليج ومن كل العرب، المسألة مسألة رغبة أمة بالانتقال إلى مرحلة جديدة، لواقع جديد، فالجميع بات يشعر بالضجر والتأفف والقرف من كل هذه الجماعات والطوائف التي لم تزدنا إلا خبالا، المسألة ليست مؤامرة صهيونية كونية علينا، إنما هي سنة من سنن المجتمعات والأمم، سنة التغيير وتبدل الأحوال، ودائما في مراحل انتقال أمة وتبدل حالها، يتغير الدين أيضا، وفي حالتنا العربية الراهنة لا بد أن يبدأ التغيير من الدين.
فقد عانى المسلم وملّ وزهق ويكاد يختنق من هذا الدين الذي صاغته لنا جماعة الإخوان والسلفية الجهادية والصحوة، ومن ذاك الدين الذي حاكه «الخميني» ولفيف المعممين حتى استبدلوا فيه الصلاة باللطم والتسبيح باللعن، زبانية هذا الدين بكل تفرعاته يصرحون علانية أن هدفهم الوحيد أن ينتشروا كالسرطان في جميع مفاصل الدولة وأجهزتها وعقول أبنائها، ومن يعارضهم فهو كافر بالإجماع!
في آخر الأمر وجدنا أنفسنا في دين لم يأت به محمد -عليه الصلاة والسلام- إنما جاءت به جماعات وأحزاب يكفرون كل أمم الأرض ويكفرون بعضهم البعض ويتقاتلون فيما بينهم على مقعد في البرلمان أو كرسي في دائرة!، الكل قام بترحيل الكل إلى جهنم وبئس المصير من أجل الدنيا وملذاتها.
هنا المأساة، هذا هو الفكر الذي قاد للانحدار، وكما قال المفكر «تركي الحمد»: حين تصبح الفتاوى الدينية أهم من القوانين، والماضي الديني أهم من المستقبل، والتراث الإسلامي أهم من العلوم والفلسفة، فحتما نحن نعيش في أزمة. نعم هذه هي أزمتنا التي لا بد أن نعبرها إلى شرق أوسط «نظيف» خال من الأدران، لا كما كتب وسطر أرباب أزمتنا الذين حذروا وما زالوا يحذرون من شرق أوسط موحش ومخيف، لا دين فيه ولا مروءة ولا أخلاق، لا دولة عربية متماسكة إنما دويلات، إن الذين ظلوا لسنوات يخوفون ويحذرون من الشرق الأوسط الجديد، «كاذبون» لأن تحذيرهم ليس خوفا على الأمة ولا على الإسلام، إنما خوف على أنفسهم وعلى مكتسباتهم من الضياع، والمعادلة ببساطة: أن من يصور للآخرين أن التغيير شيء مخيف هو تحديدا من يخاف أن يتعرى ويفقد قيمته إن حدث التغيير فعلا.
فعذرا أهلنا في «قطر» المسألة ليست شخصية، ولا مكان للأطماع والتآمر بين الأشقاء، كل ما في الأمر أن مصلحة الشرق الأوسط فوق كل اعتبار، وأن الخروج من كل هذه الفوضى التي نعيشها اليوم أهم من المجاملات، كل ما في الأمر أن كل من جر الأمة للانحدار يسترزق اليوم من قطر ويشحذها رغيف الخبز، إن المال القطري هو الشيء الوحيد الذي بقي لهؤلاء كي يحافظوا على حياتهم، فلم تعد لهم كرامة ولا قيمة ولا مصداقية في الوطن العربي، لم يعد من خيط يربطهم بالحياة إلا «المال والمأوى» اللذان تتفضل بهما قطر.