الرد إلى السنة وإلى أولي الأمر في ما يرد من أمور الأمن ونحوه منهج شرعي يدل عليه قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى? أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُم)، ولزوم إمام المسلمين سبب للخير، ونجاةٌ من الشر، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن المخرج من الشرور والفتن كما في الحديث الصحيح: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، والالتفاف حول ولي الأمر، والطاعة له فيما تنشط له النفوس، وما تكرهه، وعدم منازعته الأمر، هو ما سار عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمرائهم، وبايعوا النبي عليه الصلاة والسلام على تنفيذه، كما في حديث عبادة بن الصامت المتفق على صحته، فقد قال رضي الله عنه: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وعلى ألا ننازع الأمر أهله..)، هذه نصوص شرعية واضحة، صحيحة وصريحة، لا مجال للرأي فيها، وهي صالحة لكل زمان ومكان، ونحن في المملكة العربية السعودية التي هي مهبط الوحي، ومنبع الإسلام، ومأرز الإيمان، إمامنا هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وفقه الله، له في رقابنا بيعة، لا ننازعه الأمر، كما هو مقتضى النصوص الشرعية السابقة، فهو أعلم منَّا بمصالح البلاد والعباد، يرى الأمور من جميع جهاتها، وينظر إلى الحقائق لا إلى الشعارات، ويقف على اليقينيات لا على الظنيات، يبذل جهده لعز دينه وبلاده وشعبه، ويرد عنَّا الشرور والفتن، ونحن معه فيما يراه من درءٍ للمفاسد، وجلب للمصالح، ولو خاض بنا المعارك لخضناها معه ما تخلف منا رجل واحد، نثق بقراراته، ومنها قراره حفظه الله بقطع العلاقات مع قطر، ونحن على يقينٍ أنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن بلغ السيل الزبى، واقتضت مصلحة بلادنا ذلك، ومعروف عن قادتنا منذ الملك عبدالعزيز رحمه الله الصبر الجميل، والنَفَس الطويل، وفي هذا يقول الملك عبدالعزيز: (جعلت سنتي ومبدئي ألا أبدأ أحدا بالعدوان، بل أصبر عليه وأطيل الصبر على من بدأني بالعداء، وأدفع بالحسنى ما وجدت لها مكانا وأتمادى بالصبر، حتى يرميني البعيد والقريب بالجبن والضعف، حتى إذا لم يبق للصبر مكان، ضربت ضربتي فكانت القاضية، وكانت الآية على ما عودني الله من فضله،والحمد لله رب العالمين)، واتباع منهج الصبر والتأني هو الذي جعل قادة بلادنا صابرين عشرين عاما على أذية الجار الصغير، الذي لم يكتف بأذيته، بل جمَّع الأشرار من كل حدب وصوب ليلحق الأذى بوطننا، فهذا الجار المؤذي، طغى وبغى، ومن أذيته ما جاء في قرار قطع العلاقات، ومنها ما يلي:
1- الانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات في الدوحة، سرا وعلنا، طوال السنوات الماضية بهدف شق الصف الداخلي السعودي، والتحريض للخروج على الدولة، والمساس بسيادتها.
2-احتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة، ومنها جماعة (الإخوان المسلمين) و(داعش) و(القاعدة).
3-الترويج لأدبيات ومخططات هذه الجماعات عبر وسائل إعلامها بشكل دائم.
4- دعم نشاطات الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران في محافظة القطيف من المملكة العربية السعودية، وفي مملكة البحرين الشقيقة.
5- تبني وإيواء المتطرفين الذين يسعون لضرب استقرار ووحدة الوطن في الداخل والخارج.
6- استخدام وسائل الإعلام التي تسعى إلى تأجيج الفتنة داخليا.
7- الدعم والمساندة من قبل السلطات في الدوحة لميليشيا الحوثي الانقلابية حتى بعد إعلان تحالف دعم الشرعية في اليمن.
من اطلع على هذه النقاط السبع، يعلم يقينا أن نظام قطر مخالف بأفعاله تلك لشريعة رب العالمين، ولسنة سيد المرسلين، ويتعجب من صبر وحلم قادة هذه البلاد، وربما لو تعرضت أي دولة غير دولتنا السعودية لواحدةٍ من هذه النقاط السبع، لفعلت ما هو أشد من قطع العلاقات، ولما انتظرت كل هذه السنين.
ولكن قادتنا يصبرون، ولسان حالهم يقول:
ولو كان سهم واحد لاتقيتُه *** ولكنه سهم وثان وثالث
ولاريب أن توبة نظام قطر من مخططاته الشريرة لو حصل يُفرحنا، فالصلح خير، إذا كان بصدق ونقاء، لا أن يعاهدوا وينكثوا كما هو دأبهم.
ومع الأسف بعض من نزعهم عرق من التحزب يسمعون هذه الانتهاكات المخالفة للشريعة ضد وطنهم، ولا يقفون مع وطنهم، بل ينهون عن انتقاد تجاوزات قطر، بدعوى اعتزال الفتنة، واللحمة الخليجية والعربية، وبدعوى السكينة، التي هم أبعد الناس عنها، فما أكثر صخبهم وضجيجهم على كثير من قرارات بلادهم، فضلا عن مواقفهم ضد الإمارات العربية، ومصر العربية، فهم في قولهم اللحمة الخليجية والعربية يكذبون، إنما اللحمة والتعاطف فقط مع حزبهم ومن يدعمه، فحيثما وُجد حزب الإخوان وداعموه فثم المصلحة والدعم والتعاطف، هكذا هي نظرتهم، وما كان ينبغي لهم أن يتعاطفوا مع أي حزب، فلا حزبية في الإسلام، فضلا عن تقديم الولاء الحزبي على الدليل الشرعي، فليتقوا الله، وليلزموا جماعة المسلمين وإمامهم.
وأما ما يدندنون به من اعتزال الفتنة، فهي حيلة حركية، إذ إن الفتن التي تعتزل هي ما لايتبين فيها المُحق من المُبطل، ولا أظن عاقلا يقول لا نعرف المحق من المبطل، أهي بلادنا أم قطر؟ لا عاقل يقول ذلك، فأذية قطر الصغيرة كبيرة، كلٌ يعلم أنها على باطل.
وقد قال ابن باز رحمه الله: (والقاعدة أن الفتنة التي ينبغي عدم الدخول فيها هي: المشتبهة التي لا يتضح فيها الحق من الباطل، والتي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم...الحديث)، فهذه الفتن التي تشتبه ولا يتضح للمؤمن فيها الحق من الباطل، هي التي يشرع البعد عنها وعدم الدخول فيها، أما ما ظهر فيه الحق، وعرف فيه المحق من المبطل، والظالم من المظلوم، فالواجب أن ينصر المظلوم، ويردع الظالم ويردع الباغي عن بغيه، وينصر المبغي عليه).
فحري بكل مؤمن لاسيما أساتذة الجامعات، وحملة الأقلام، ومتصدرو المنابر، أن يقفوا مع بلادهم وولي أمرهم عملا بالأدلة الشرعية، ولا يكونوا للخائنين خصيما، ومن كان محايدا أو سلبيا أو متعاطفا مع من آذى بلادنا، فإن جنايته على الدين والوطن عظيمة.