تختلف المجتمعات في تقبلها للنقد، وإن كان بعضها يهتم لأمره ويشجع من يساعده في كشف هفواته ليبادر في معالجتها حتى لا ينحدر به المسار إلى طرق شائكة تعطله عن متابعة خططه التنموية وسباقه مع الزمن، للوصول إلى مصاف الدول التي يعتبرها أنموذجا يحتذى به في التطور والرقي، ومثل هذه المجتمعات لا تشجع على النقد فقط، بل وتنشئ مراكز أبحاث مهمتها دراسة الظواهر والمشاكل الاجتماعية التي قد تقودها إن أهملت أمرها إلى أزمات كبيرة، ونحن كمجتمعات عربية لا نستطيع أن ندعي أننا نقف مع هؤلاء في ذات الصف من حيث تقبل النقد والترحيب به، فما زلنا نحمله وزر العدائية والتربص وحتى التآمر علينا، هناك بعض المعالجات الدرامية التي تناور من بعيد وتطرح بعض الإشكالات، لكن دون تعمق لكشف الأسباب الحقيقية وراء بروز هذه الظواهر، حتى وإن حاول البعض التعمق فإن ردة الفعل تكون صاخبة، ليس من عامة الجماهير، بل حتى الفئة المحسوبة على الوعي والتنوير، تتعصب وتشارك في هاشتاقات تنتقد تلك الأعمال وتلمح إلى أنها تنصف فئة عن أخرى أو لا تمتلك الجرأة لمناقشة مشكلة عن غيرها خوفا من فئة أو تعاطفا مع أخرى، حتى وتلك الأعمال تجتهد لنفي هذه التهمة

غير أنها لا تسلم، وهذا الأمر يعود إلى أن وعينا بالنقد ما زال ضعيفا جدا، لذلك فالبعض بدل أن يتعظ ويبصر طريقه، تجده على العكس من ذلك يتعصب لفكرته وينادي غيره لتبنيها، نكاية بذلك الكاتب أو الممثل الذي سينال

من الشتائم أقذعها، ويصل الأمر إلى التشكيك في ولائه وحتى عقيدته، مشكلتنا ليس في اعتقادنا حول النقد فحسب، ولكن في تلك الفكرة التي تصور من ينتقد سلوكا شائنا أو ظاهرة معينة أنه يستهدف ذواتنا، وهذا الفهم ليس منطقيا، بل يكرس لتنامي المشاكل بعيدا عن المعالجة، وإن وجد من يغذي العامة بهذه الأفكار فهو يفعل ذلك لمصلحة خاصة به، لأنه لا يوجد شخص مصلح سويّ يرى من حوله يرتكبون الأخطاء مهما صغرت، ويغض الطرف لأن ويلات الفعل ستطال آخرين وتجرهم إلى حلبة صراع تتسع وتتضخم كل يوم، في ظل التأجيج والتقاعس عن القيام بأضعف الإيمان وهو التحذير من مواطن الخطر، والخطورة ليست في تبني هذه المواقف، بل في إصرارنا على التعاطف مع أصحابها ووضعهم دائما في خانة المظلوم أو التقي أو المصلح الذي يحرض أتباعه على مخالفة الأكثرية، والظهور دوما بمظهر التقي الذي لا يخطئ أبدا.