لم تجد دول السعودية والإمارات والبحرين ومصر بدا من اتخاذ خطوة ترددت كثيرا في اتخاذها، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وسحب سفرائها، بسبب التعديات والتجاوزات الكثيرة التي ظلت الدوحة ترتكبها طوال 22 عاما، منذ مجيء الشيخ حمد بن خليفة إلى سدة الحكم.
لم تتوقف قطر طوال تلك الفترة عن محاولات ضرب الوحدة الخليجية وظلت تتبع سياسات أحادية ضارة بأمن دول التعاون، عن طريق دعم التنظيمات الإرهابية، واحتواء عناصر جماعة الإخوان المسلمين، وإقامة علاقات مع عناصر تنظيم القاعدة وأذرعه المتعددة، وهي سياسات قادت إلى الأزمة بين الدول الأربع منذ مطلع الألفية الجديدة وبلغت مداها حين تفجرت أزمة ديبلوماسية في العام 2014، عندما سحبت الرياض وأبوظبي والمنامة سفراءها من الدوحة، بعد أن باءت كل محاولات التهدئة بالفشل، وتعذرت كل مساعي الوصول إلى حلول أخرى، ورغم التوصل إلى حل للأزمة، بعد تعهد الدوحة بتغيير سياساتها، وعدم السماح لتنظيمات الإرهاب بممارسة أي نشاط سياسي من أراضيها، إلا أن تلك التعهدات لم تجد سبيلها للتنفيذ على أرض الواقع.
مارست الرياض خلال تلك السنوات فضيلة الصبر الجميل، انطلاقا من موقعها ككبرى الدول الخليجية، وسعت إلى احتواء الدوحة والتقارب معها، تارة بالنصح، وتارة بغض الطرف عن تلك التجاوزات، إلا أن الأخيرة أصمت أذنيها عن كل ذلك، واستمرأت سياسات المقامرة والمغامرة، وعندما بلغت حد تهديد الأمن الخليجي كان لا بد من خطوة حازمة، اتخذتها الدول الأربع بعد أن لم يبق في الأفق سواها.
آخر تلك المواقف السالبة تصريحات أمير قطر ووزارة خارجيته، التي نشرتها وكالة الأنباء الرسمية، وتناقضت مع ما تم الاتفاق عليه في القمة الإسلامية الأميركية التي عقدت في الرياض الشهر الماضي، وهي تصريحات فاجأت القطريين أنفسهم، قبل أن تفاجئ غيرهم، تمثلت في ظهور تقارب بين الدوحة وطهران، ووصف لحزب الله بأنه حركة مقاومة، ولحركة حماس بأنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
وجه الغرابة وأساس المفاجأة تمثل في أن أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد لم يبدر منه أي تحفظ على ما تم الاتفاق عليه بالإجماع بين الجانب الأميركي وملوك ورؤساء وقادة 55 دولة إسلامية، بأن إيران تمثل أكبر تهديد لأمن دول مجلس التعاون الخليجي خاصة، والدول العربية والإسلامية على وجه العموم، ورغم ذلك جاء بعد 48 ساعة ليقول إن إيران دولة كبرى ليس من الحكمة معاداتها. وهنا يبرز تساؤل؛ من قال إن الدول العربية ترغب في معاداة إيران؟ أليست هي التي تتدخل في شؤون دول المنطقة؟ ألا تقف طهران وراء أزمة سورية وأمدت نظام الطاغية بمئات الآلاف من المرتزقة الذين يدافعون عنه؟ إن كان لا يدري فبإمكانه سؤال الثوار السوريين الذين رفضوا حتى مشاركتها في مؤتمر أستانة بكازاخستان، مشيرين إلى أنها سبب المشكلة وأساسها، لذلك فهي ليست مؤهلة لتكون جزءا من الحل. أليست إيران هي الداعم الرئيسي للمتمردين الحوثيين، وهي التي تهرب لهم الأسلحة وأدوات الموت، وتحرضهم على عدم التجاوب مع الجهود الدولية الباحثة عن حل للأزمة؟ ألم تكن قطر نفسها جزءا من التحالف العربي الذي يتصدى لوكلاء إيران في اليمن ويسعى لاستعادة الشرعية؟ فكيف شاركت إذن في تحالف يتصدى لإيران وتأتي بعد ذلك لتكيل لها المدح والثناء؟
رغم كل الممارسات الإيرانية السالبة، وتدخلها في الشأن العراقي وتكوينها للميليشيات الطائفية، وتأجيجها للأزمات في لبنان، ومحاولاتها التدخل في شؤون البحرين، والكويت، والسعودية، واحتلالها للجزر الإماراتية، إلا أن الرياض أعلنت أكثر من مرة استعدادها لبناء علاقات طبيعية مع طهران، إن كفت أذاها والتزمت بحسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الآخرين، فماذا كانت ردة فعل طهران غير الإصرار على المضي في إشعال المنطقة بالخلافات والفتن الطائفية؟
أما إشادة أمير قطر بحزب الله الإرهابي، ووصفه بأنه حركة مقاومة، فهو مما يثير الدهشة، فإذا كان كذلك، فلماذا وافقت الدوحة ثلاث مرات على تصنيفه كحركة إرهابية؟ فقد وقعت على القرار الذي أصدرته الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي، وفي اجتماعات وزراء الخارجية العرب، في يناير من العام الماضي وفي مؤتمر منظمة المؤتمر الإسلامي في مارس من نفس العام على حظر الحزب وكافة الجماعات والمؤسسات المرتبطة به ووضعها ضمن قائمة الحركات الإرهابية، فماذا استجد ليتحول الحزب الإرهابي فجأة وبدون مقدمات إلى حركة مقاومة، وما هي السلطة الاحتلالية التي يقاومها؟ هل لا زال الحزب الطائفي الذي ارتضى العمالة لإيران على حساب المواقف الوطنية والقومية يرفع شعار مقاومة إسرائيل الذي خدع به البسطاء في ما مضى، حتى سقطت عنه ورقة التوت وبدت سوءته واضحة للجميع؟
من قال للدوحة إن حماس هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني؟ وأين ذهبت حركة فتح ومنظمة التحرير؟ وهل هذا الموقف يصب في مصلحة القضية الفلسطينية، في الوقت الذي تلوح في الأفق جهود أميركية مكثفة لوضع حل للأزمة؟ وقبل هذا؛ من أين استمدت الدوحة الصفة القانونية التي تخولها تصنيف الآخرين وإسباغ الأوصاف عليها؟ كذلك فإن احتضان الدوحة لقادة جماعة الإخوان المسلمين يشكل تهديدا لدول المجلس ولعدد من الدول العربية، بعد أن صنفتها عدة دول كجماعة إرهابية.
الجميع يدرك أن الأمن الخليجي وحدة لا تتجزأ، ولا تقبل التفسيرات الفردية والخطوات الأحادية، فقد استمر مجلس التعاون طيلة الفترة الماضية منذ تأسيسه، قويا راسخا، بفضل ثبات مواقفه وقوة اللحمة التي تربط بين دوله، ولم يتبع المجلس سياسة التبعية مع دولة، وكفل لها حرية طرح مواقفها السياسية في إطار سيادتها، ما دام ذلك لا يضر بالموقف الخليجي الموحد. أما القضايا التي تهم دول المجلس عامة، وتشكل تهديدا لأمنها القومي، فإن الرأي فيها يكون جماعيا، وهذا هو سر ثبات سياسة دول الخليج، التي ظلت دوما تتعامل في إطار الأسرة الواحدة، مما هيأ الأجواء لنهضتها الاقتصادية والمجتمعية.
المطلوب من قطر إعادة النظر في تلك الخطوات، ومراجعة سياساتها، وإعلان تراجعها عنها، وأن تسير في ركاب أخواتها الخليجيات، ليس تبعية ولا هوانا، بل قناعة راسخة بأن في الفرقة هلاك وضياع، وفي الوحدة قوة وتماسك، وأن تسعى لضبط الخطاب التصعيدي لأدواتها الإعلامية وفي مقدمتها قناة الجزيرة وغيرها من الفضائيات والصحف ومواقع الإنترنت، حتى تعود بلاد آل ثاني كما كانت سابقا، دوحة للعرب، تجمع ولا تفرق.