أفصح يسري فودة في كتابه «في طريق الأذى من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش» الصادر عام 2015، عن خلفيات برنامج «سري للغاية» بقناة الجزيرة آنذاك، وقال إن القناة تحولت إلى سلاح سياسي يدار من أعلى قمة في هرم القيادة القطرية.


أدوار مشبوهة


 استخدام القناة كسلاح سياسي

 تدار من أعلى سلطة بقطر

 رصد الأموال لتنفيذ أغراضها

 تسخيرها لتكون صوتا للقاعدة

 استضافة شخصيات موالية للتنظيم









أثار كتاب يسري فودة «في طريق الأذى من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش»، الكثير من الجدل حيث حكى فيه خلفيات حلقات برنامج سري للغاية الذي بثته قناة الجزيرة آنذاك، والكتاب الذي صدر عام 2015 تطرق في فقرات منه إلى قناة الجزيرة التي تحولت من الهيمنة على سلاح سياسي يدار من أعلى قمة في هرم القيادة القطرية، ومع أن يسري فودة حاول تجنب الخوض في الخلفيات والكشف عن التفاصيل التي أصبحت معروفة فيما بعد فإنه أوضح بشكل صريح نقاطا مهمة، منها دوافع أمير قطر وقتها الشيخ حمد بن خليفة وإدارته للقناة والصرف عليها بسخاء، وإعجاب زعيم القاعدة أسامة بن لادن الشديد بالقناة، وكذلك رئيس اللجنة العسكرية للقاعدة خالد شيخ، ومنسق عمليات 11 سبتمبر رمزي بن الشيبة، وتسخير قناة الجزيرة لتكون صوتا للقاعدة، ورسم القاعدة لأسلوب تغطيات القناة والتوصية بالتواصل مع الأشخاص المتعاطفين معها مثل عبدالباري عطوان، وفيما يلي مقتطفات من كتاب فودة:

«لا توجد لدي وسيلة لتأكيد ما ورد في كتاب ساسكيند أو لدحضه. يُسأل هو عن مصادره بقدر ما أسأل أنا عن شهادتي أمام الله، لكن من المؤكد، إن صحت الرواية، أن لدى أمير قطر السابق دوافعه، مثلما أن لدينا نحن أيضا ولكل طرف آخر دوافعه. ولا أدري من بعد ذلك إن كان ثمة علاقة بين هذا وما حدث في لندن بعد ذلك بأسابيع قليلة.


مفاجأة الأمير السابق 


مر علي صيف ذلك العام، عام 2002، بطيئا متململا وإن كان في الوقت نفسه حارا مليئا بالترقب وأنا أجهد في محاولة الوصول إلى شرائط لقائي بأعضاء تنظيم القاعدة التي وعدوني بإرسالها إلي قبل مغادرتي، في تلك الأثناء بينما كان يقضي عطلته في الصيفية المعتادة في لندن، اتصل بي رئيس مجلس إدارة قناة الجزيرة، الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، كي يدعوني إلى عشاء في وسط العاصمة البريطانية، ولم يكن ذلك خارج المألوف مما جمعنا من علاقة مهنية إنسانية ودية.

 لكن الذي كان خارج المألوف أنه، لدى وصولي إلى ذلك المطعم الإيطالي المتواضع المتخصص في وجبات البيتزا في شارع جيمس (قرب شارع أوكسفورد)، لمحته قبل هبوطي من السيارة واقفا بنفسه في انتظاري على باب المطعم. اصطحبني مرحبا إلى ركن عميق منزوٍ من المطعم كي أفاجأ بطاولة يجلس إليها رجل ممتلئ البدن، كثيف الشعر، أملسه، أسوده إلى حد النصوع، يرتدي بدلة أسبور من الجينز الأزرق، وينهمك في تناول حساء المينيستروني الإيطالي المعروف، استغرقني الأمر ثواني عدة وسط ابتساماتهما قبل أن أدرك أنني أمام أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.

 كانت هذه أول مرة أرى فيها الأمير في زي آخر غير الزي القطري التقليدي، كما كانت أيضا أول مرة أراه وجها لوجه في أي صورة، هو يفضل فرنسا على بريطانيا لقضاء عطلة الصيف، لكنه بعد ترحيب حار دعاني إلى الجلوس وقال إنه اضطر لقطع إجازته كي يراني ويشد على يدي بعد ذلك السبق الصحفي. لم يضيع وقتا كثيرا قبل الدخول إلى صلب الموضوع. «وين الشرايط يا ريّال؟»، شرحت له ملابسات ما حدث، وأن وسطاء دخلوا على الخط ويحاولون الآن أن يساومونا للحصول على تبرع قبل توصيلها.

 «إنزين.. أديش يعني؟».

 قال عايزين مليون دولار قال.

 «ونت أيش رأيك؟».

    طبعّا لأ يعني، قولا واحدا.

نظر الأمير إلي في تلك اللحظة كأنه ينظر إلى ساذج غر.

 «مش أفضل ندفع لهم وناخد شرايطنا؟».


عدم ارتياح


بدأ إحساس بعدم الارتياح يتسرب إلي، لكنني وضعت أمامه رؤيتي وخلاصة تقديري للموقف. فالمسألة لم تقتصر على كونها مسألة مبدأ وحسب، بل إن ثمة تحليلا عمليا واقعيا يقودني إلى الاعتقاد بأن الشرائط ستصلني لا محالة وبأنهم سينالون عقابهم من جانب أولئك الذين التقيت بهم، إن عاجلا أو آجلا. والأهم من ذلك أنني افترضت أسوأ الاحتمالات وسأمضي في استكمال التحقيق على أي حال، كما كان من الممكن أن يمضي في استكماله صحفي في جريدة.

 لم يبد الرجل مقتنعا بأي من هذه الحجج. كان كل ما يهمه الوصول إلى الشرائط مهما كلف الأمر، وكان إلحاحه ملفتا للنظر. بوصولنا إلى هذه الفجوة، نظرت أنا بدوري إلى رئيس مجلس الإدارة ممازحا: «أومال ليه بقى عمّالينتقولولي ما عندناش ميزانيات ما عندناش ميزانيات؟» لم أكن على علم وقتها بما أورده ساسكيند في كتابه بعد ذلك بأربع سنوات، و-مرة أخرى - لا أدري إن كان لما أورده أي علاقة بما دار في ذلك المطعم الإيطالي. لكنّ موقفي حينها هو موقفي في كل حين هو موقفي الآن.


تنظيم القاعدة 


وفيما يخص تنظيم القاعدة، كان ذلك اليوم أوج وهجه الذي بدأ ينطفئ، إذ تشرد التنظيم من بعده وقُتل جانب من كبار قادته وألقي القبض على الجانب الآخر. من بين هؤلاء خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة اللذان قابلتهما في كراتشي عام 2002. أصدر التنظيم لاحقا بيانا رسميا يبرئ ساحتي وساحة قناة الجزيرة من شبهة الإرشاد وسط مستنقع من محاولات الصيد في الماء العكر، هما الآن في معتقل جوانتانامو، ومن الثابت أنهما - وخاصة خالد شيخ محمد - تعرضا لتعذيب مبرح قبل الإعلان عام 2009 عن قرب إقامة محاكمة مدنية لهما، مع آخرين، في نيويورك. وقتها تلقيت طلبا من وزارة العدل الأميركية للشهادة أمام المحكمة فوافقت من حيث المبدأ طالما سيتاح لي أن ألتقي بالمتهمين. تهاوت إجراءات الاستعداد للمحاكمة المدنية بعد اعتراضات قوية من أهالي القتلى ومن اليمين المتطرف ومن بلدية نيويورك. رفضت بعد ذلك بنحو ثلاث سنوات طلبا للشهادة أمام المحكمة العسكرية التي تولت الأمور مرة أخرى بعد ذلك».


إثارة الجدل


 حتى بعد مرور نحو ثلاثة عشر عاما لا تزال القصة في كثير من جوانبها تثير الجدل والفضول.

 ففيما يخص الشارع العربي، لا يزال كثيرون يسألونني حتى اليوم إن كانت القاعدة حقا هي التي تقف وراء عمليات الحادي عشر من سبتمبر. وإجابتي، من واقع ما أتيح لي من تجربة خاصة، لا تزال هي هي: ليس لديّ شك في أن تنظيم القاعدة هو الذي أراد ففكّر فخطط فجنّد فدرّب فمّول فأرسل فنسّق فمضى في تنفيذ ما أراد. ما حدث في ذلك اليوم نفسه، وفي السنوات القليلة التي سبقتهن هو الذي يحتاج إلى مزيد من التحقيق.

وفيما يخص الجانب الأميركي، يقع عبء تفسير بعض الظواهر المحيرة في ذلك اليوم على واشنطن، مثلما يقع عبء تفسير كثير من الملابسات الغامضة على مدى السنوات القليلة التي سبقت ذلك اليوم. وقد رصدنا ذلك كله في تحقيق موسع آخر بعد ذلك أذيع في أربعة أجزاء بعنوان «أجراس الخطر». من الثابت الآن، وفقا لمؤشرات كثيرة من أهمها رواية المسؤول الأول عن مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض آنذاك، ريتشارد كلارك، أن أحدا ما في واشنطن كان ينتظر ضربة من اليمين (القاعدة) كي يوجه هو ضربة إلى الشمال (العراق). اقرأ كتابه الرائع، «ضد كل الأعداء». وحتى اليوم لم تقدم الإدارة الأميركية لمواطنيها وللعالم سوى تقرير مسيّس صدر عن لجنة مسيّسة، صيغ من أول سطر ببلاغة أدبية بعيدا عن الحاسم من التقارير الأمنية، ومن ثم لم تحترم عقول مواطنيها ولا شغف العالم، ولم تجب عن الأسئلة العالقة.


توجيهات القاعدة لقناة الجزيرة


 يحبذ أن تكون لكم مقابلة مع الدكتور عبدالله النفيسي، والأستاذ عبدالباري عطوان.

 هناك إصدار جديد لمؤسسة السحاب ينتهي العمل منه قريبا قد نزودكم بنسخة أولية منه حال الانتهاء منه مع بعض أهم المقتطفات للشيخ/ أسامة وغيره من القيادات.

 القسم الذي أقسم به الشيخ أسامة يشكل محورا مهما لعملكم أرى أن تضمنونه عملكم.

 هناك بعض الأناشيد مثل قوافل الشهداء 1 و2 و3 يمكن أن تحصلوا عليها من المكتبات الإسلامية.

 يرجى مراعاة عدم مصاحبة الموسيقى للقرآن الكريم أو الحديث الشريف بأي حال من الأحوال.

وجزاكم الله خيرا»


لماذا أنا بالذات؟


 مضيت في أسئلتي: «ولكن لماذا وقع الاختيار عليّ أنا بالذات؟»، ابتسم أبوبكر ابتسامة الواثق وأجاب: «لقد تناقش الإخوة في هذا الأمر لبعض الوقت، وهم يعتقدون أنك صحفي مهني يتمتع بسمعة طيبة». أطرق الرجل لحظة قبل أن يلقي مفاجأة أخرى: «الشيخ أبوعبدالله، حفظه الله، طلب منا أن نأخذ روبرت فيسك (صحفي بريطاني يعمل لجريدة الإندبندنت The Independent) إلى أم عبدالله (زوجة بن لادن)، وأن نأخذ يسري فوده إلى الإخوة».



«الأخ الفاضل/ يسري فودة

 نظرا لأهمية العمل الذي تقومون به والرسالة الإعلامية التي توجهونها إلى الجمهور العربي والإسلامي على حد سواء كان يلزم على العامل في هذا المجال المؤثر على الرأي العام أن يتحرى الإخلاص لله في هذا العمل وأن يجعل غايته في عمله هي إرضاء الله عز وجل وليس إرضاء الناس ولا يكون هدفه الكسب المادي فقط أو الشهرة الإعلامية وحسب وإنما أيضا يحتسب الأجر في ذلك عند الله عز وجل، ومراعاة الحقائق التاريخية والواقع الذي يعيشه المسلمون وحجم الظلم والاضطهاد الممارس ضدهم هو أمر أساسي في عرض وجهة نظركم من خلال عملكم الحالي وربط الأحداث الأخيرة 11 / 9 ما تبعها من الحملة الصليبية على المسلمين في النسق التاريخي والديني للصراع بين المسلمين والنصارى وخاصة الصراع من أجل البقاء الذي يجاهد من أجله إخواننا المسلمون في فلسطين وهذا الربط ضروري جدا حتى تكون الصورة مكتملة عند جمهور المشاهدين وهي أمانة تاريخية بالدرجة الأولى، فليست الحرب الدائرة حاليا هي بين أمريكا وتنظيم القاعدة كما تروج له وسائل الإعلام وإنما هي حرب صليبية سافرة ضد الإسلام والمسلمين والدلائل على ذلك أكثر من أن تحصى وتعد وأنتم أهل خبرة ودراية بمثل هذه الأمور. عذرا لهذه الإطالة المهمة والتي كان لابد من توضيحها لكم عسى الله أن ينفع بعملكم هذا المسلمين.

هناك بعض الملاحظات في حالة سؤالكم عن الأشخاص الذين قابلتهم من المهم جدا أن لا تعطي تفاصيل جديدة لشخصياتهم والتغيير الحاصل لهيئاتهم والاكتفاء بالملامح الموجودة عندهم في الصور.


انتقادات لاذعة


«بعد حوالي عشرين دقيقة خرج أبوبكر من الحمام طالبا مني أن ألتحق به لصلاة العشاء. قام أبوبكر بدور الإمام، لكنه كان سريعا خاطفا في صلاته بشكل ملحوظ. اختبأ الرجل في الحمام عندما وصل خادم الغرف بالطعام: حساء العدس ورغيفين بلحم الدجاج. بينما بدأ يلتهمها جميعا في وقت واحد، كانت لدى فمه الممتلئ أولى المفاجآت. «الشيخ أبو عبدالله (بن لادن)، حفظه الله، من أشد المعجبين بقناة الجزيرة». التقطت الخيط سريعا وألقيت بأول طعم. «ولكن كيف يشاهدها الشيخ الآن ولا أحد يدري أين هو؟».

 ابتلع أبو بكر قضمة أخرى ثم أجبا مطمئنا: «لا تقلق يا أخ يسري، الشيخ أسامة، حفظه الله، حي يُرزق وبصحة جيدة والحمد لله. ما يفوته يصله على شرائط». بعد إطراقة قصيرة شرع أبوبكر في انتقاد قناة الجزيرة وكان عليّ أن أستمع بروح رياضية. «كيف يتأتى لكم أن تستضيفوا هؤلاء الصهاينة بينما لا تعطون للإخوة المجاهدين الذين وهبوا حياتهم لإعلاء كلمة الله والأمة ما يستحقون؟».

 لم يرتح أبو بكر كثيرا لمحاولتي تجنب اختلاف في الرأي سابق للأوان بالتقاطي هاتف الغرفة كي أطلب بعض الشاي. لكنني أجبت: «لا تنس أننا نتحمل كل يوم انتقادات لاذعة وضغوطا شديدة بسبب قيامنا ببث شرائطكم، ورغم ذلك نؤمن بأننا نلتزم بشرف المهنة». لم يبد على أبوبكر أنه اقتنع كثيرا وإن كان قد أشاح بيده راضيا. انتهزتها فرصة فاستطردت سائلا: «بالمناسبة، من الذي كتب رسالة الفاكس التي أرسلتها إليّ؟»، لكن أبو بكر لم يكن ليجيب بشكل مباشر: «واحد من الإخوة».