كما فاض الكيل بالدول المؤتمنة على مصالحها المشتركة في منظمة التجارة العالمية لفشل جولة «الدوحة» للمفاوضات الشاملة، التي انطلقت في العاصمة القطرية بتاريخ 11 نوفمبر 2001، بسبب عدم التزام بعض الدول بتنفيذ الاتفاق التجاري الضامن للحقوق والواجبات، فقررت المنظمة إلغاء الجولة أو تعديل مسارها، فاض الكيل اليوم بدول مجلس التعاون الخليجي المؤتمنة على مصالح شعوبها لفشل العاصمة «الدوحة» في تطبيق الاتفاقية الأمنية الخليجية المبرمة في الرياض بتاريخ 13 نوفمبر 2012، والمعتمدة خلال أعمال الدورة 33 لقمة مجلس التعاون الخليجي، التي عقدت بالمنامة خلال الفترة من 24–25 ديسمبر 2012.

وكما نفد صبر الدول النامية، التي تشكل 84% من دول العالم، بسبب سلوك بعض الدول المتقدمة لإصرارها على مواصلة دعم صادراتها الزراعية وتنفيذ سياساتها الحمائية، نفد اليوم صبر الدول الخليجية من سلوك «الدوحة» لإصرارها على إطراء ومحاباة ملالي إيران ودعم مرتزقتهم في سورية والعراق واليمن ولبنان، لتشريد ما تبقى من شعوبها العربية الأصيلة، إضافة إلى تقديم الدعم المالي والمعنوي والاستراتيجي للجماعات الإرهابية المحظورة خليجياً وعربياً ودولياً، مثل أحزاب الشيطان وفلول الحوثيين وتنظيم الإخوان وجبهات النصرة وطالبان.

لا عزاء للدوحة اليوم لأنه ليس من المهم أن تحتل قطر المركز الأول بين دول العالم في دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، الذي فاق 123 ألف دولار خلال العام الجاري، لتحتل بثرائها المركز الأول عربياً والمرتبة 22 دولياً، وتحقق المرتبة 15 كأفضل دول المعمورة لإقامة المشاريع الاقتصادية، بل الأهم من هذا وذاك أن تتربع دولة قطر على مركزها المميز بين الدول الخليجية لنصرة شقيقاتها ودعم مواقفها الموحدة، وتحقيق أهدافها المشتركة، نظراً لما يتربص بالمنطقة من تحديات خطيرة.

ولا عزاء للدوحة اليوم لأنه ليس من المهم أن تحقق قطر المركز الأول عالمياً في معدل التوفير من الناتج المحلي الإجمالي، الذي فاق 7%، أو المرتبة الأولى عربياً و30 دولياً في مؤشر الشفافية ومحاربة الفساد وتقنية المعلومات، أو المركز 13 عالمياً والأولى عربياً في قدراتها التنافسيّة على جذب الاستثمار الأجنبي، بل الأهم من هذا وذاك أن تلتزم قطر بتنفيذ المادة الثانية من الاتفاقية الأمنية الموحدة، التي أكدت على ضرورة: «التعاون بين الدول الخليجية لملاحقة الخارجين على القانون أو النظام، أو المطلوبين من الدول الأطراف، أياً كانت جنسياتهم»، إلى جانب تنفيذ المادة الثالثة من الاتفاقية، التي طالبت بقيام كل دولة خليجية: «باتخاذ الإجراءات القانونية عند تدخل مواطنيها أو المقيمين بها في الشؤون الداخلية لأي من الدول الخليجية الأخرى»، لكي لا تصبح دولة قطر ملاذاً آمناً للجماعات الإرهابية والأحزاب المارقة ورموز الأفكار الجهادية المضللة.

ولا عزاء للدوحة اليوم لأنه ليس من المهم أن ترتفع مساهمة قطاع الطاقة في قطر بنسبة 46% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن تحقق قطاعات خدماتها المالية والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال نمواً بنسبة 9% سنوياً، لتصنف قطر في المرتبة 13 ضمن الدول الأكثر تنافسية في العالم والأولى في الشرق الأوسط، وتتألق كأسرع الاقتصاديات نمواً بنسبة 6%، لتحتل المركز الأول بين الدول الخليجية، بل الأهم من هذا وذاك أن تفي قطر بوعودها واتفاقياتها مع شقيقاتها في دول مجلس التعاون والخاصة بتطبيق المادة الأولى من الاتفاقية الاقتصادية الموحدة، التي تنادي كل دولة خليجية: «بتنظيم العمل المشترك وأهداف تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها وتوثيق الروابط بين شعوبها»، حتى لا تُفَرّط قطر بمنافذها البرية الوحيدة عبر الحدود السعودية والإماراتية، وتخسر قدرتها على استيراد وتصدير 90% من احتياجاتها عبر هاتين الدولتين الشقيقتين.

ولا عزاء للدوحة اليوم لأنه ليس من المهم أن تنفرد دولة قطر بالتوقيع على 5 اتفاقيات للتجارة الحرة مع دول أخرى، وهي تعلم أن نص المادتين 5 و 24 والمادة 5 من اتفاقيات منظمة التجارة العالمية تحظر على الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي إبرام مثل هذه الاتفاقيات بشكل منفرد لكونها تمنح الدول الأخرى مزايا تفوق ما لدى دول المجلس من مزايا في اتفاقيتها الاقتصادية الموحدة، بل الأهم من هذا وذاك أن توحد قطر جهودها مع شقيقاتها الخليجية لتحقيق أهداف التكامل الاقتصادي المشـترك، بدءاً بإقامة منطقة التجارة الحرة، ومروراً بالاتحاد الجمركي، واستكمالاً للسوق الخليجية المشتركة، وانتهاءً بالاتحاد النقدي والاقتصادي، لكي تتفوق الدول الخليجية متحدةً على كافة التحالفات التجارية الأخرى.

وأخيراً لا عزاء للدوحة لأنها اختارت أن تقوم منفردة بتوقيع اتفاقية تسهيل التبادل التجاري مع ملالي إيران بتاريخ 10 نوفمبر 2014، وإبرام اتفاقية تزويد دويلة إسرائيل بالغاز الطبيعي في 6 نوفمبر 1990 بأسعار رمزية، إضافة إلى إقامة علاقات بين شركات الخطوط الجوية القطرية ودويلة إسرائيل لتخفيض القيود المفروضة على المسافرين والسلع، إضافةً لإنشاء مزرعة متطورة في هذه الدويلة لإنتاج الألبان والأجبان لمنافسة المنتجات السعودية والإماراتية المماثلة المصدرة لقطر.

لذا فإن دعواتنا لدولة قطر بالهداية والعودة للصف الخليجي آمنة مطمئنة لا تقل صدقاً عن دعواتنا لحكومة الدوحة لتحقيق المزيد من التقدم في مراتبها العالمية، وتوفير الرفاهية لمواطنيها الأشقاء وتنفيذ العديد من مشاريعها التنموية، وإلا فلا عزاء للدوحة من فقدان مظلة شقيقاتها الخليجية وكنف أشقائها من الدول العربية بسبب فشل العاصمة القطرية الدائم في إعلاء سمعتها إقليمياً ودولياً.