تتدوال بعض الصحف الأميركية، ومنها نيويورك تايمز، خبرا عن تحول قضية التطرف في العالم إلى شاشات التلفزيون العربية من خلال الدراما الرمضانية، رغم ما تحمله هذه الأعمال من مجازفة على سلامة الكتاب والممثلين ومسؤولي القنوات التي تعرضها.

مطلع كل شهر رمضان يُمسك المتطرف بيد على قلبه وبيد أخرى على رأسه من هول الضربات الموجعة التي تطالعنا بها الدراما في الحرب الضارية التي تشنها القنوات العربية على التطرف عبر أعمال درامية يكون محتواها حديث المجتمع بأطيافه.

جبهات إعلامية أخرى تساند الدراما الرمضانية في معركة التطرف الموسمية، كالبرامج الحوارية والمقالات والوسومات التويترية والرسومات الكاريكاتيرية.

صحيح أن الأعمال الدرامية في هذا المجال قليلة نسبيا، غير أن حلقة واحدة أو حلقتين تضرب بشهاب قَبَس موجع على قوم وتثلج صدور آخرين، مما يجعلها حديث الشارع لفترة تطول وتقصر بحسب قوة العمل.

فمثلاً، حلقة «بيضة الشيطان» من مسلسل سيلفي عام 2015، ورغم مرور سنتين إلا أنها لا تزال عالقة في الأذهان بكل تفاصيلها الأمر الذي أثار «داعش» لتتوعد بقطع رأس بطل المسلسل. وقبل ذلك فيلم «السفارة في العمارة» للفنان عادل إمام، رغم أنه من إنتاج 2005 إلا أن مشهد الإرهابيين ترسخ في ذهنية المشاهد، وخاصة الجملة الشهيرة «قلبك عامر بالإيمان»، وما تلاها من حوار قصير ساخر.

يخطئ من يعتقد ضعف سطوة الدراما وقدرتها على تشكيل أفكار وآراء الناس والتأثير على المؤسسات الرسمية ومسؤولي الدول من خلال مسرحية أو فيلم أو مسلسل. لقد شاهدنا دولا ومجتمعات تطالب بحجب أو إيقاف أعمال درامية معينة بسبب مضمونها الفكري والموضوعي خوفاً من فاعليته في المجتمع. والأعجب من هذا، الحكم على عمل قبل عرضه أو قبل اكتمال عرضه كما حدث، مثلا، في مسلسل «العاصوف» أو «للخطايا ثمن».

?هذا الأخير هو? مسلسل كويتي تم الاحتجاج عليه قُبيل عرضه عام 2007 من قبل الطائفة الشيعية الكويتية لتناوله قضايا اجتماعية، ومنها زواج المتعة. مؤلف المسلسل صرح بأن المسلسل ليس فيه إساءة للمذهب، إنما هو يتناول نساء ورجالا أساؤوا إلى الدين.

تعرض أيضا للإيقاف مسلسل «الطريق إلى كابول» بعد الحلقة الثامنة من رمضان 2004.

وعلى مستوى الدراما السياسية «المتطرفة»، هناك المسلسل العربي «فارس بلا جواد» والذي عُرض لأول مرة في رمضان 2002 على قنوات عربية، رغم تعرضه لحملة أميركية إسرائيلية ومنظمات يهودية لاتهامه بمعاداة السامية، وذلك لسرده مقتطفات من كتاب «بروتوكولات حكماء صهيون»، مما هدد بوقف بث المسلسل.

المسلسل السوري «الشتات» الذي يحكي عن نشوء الحركة الصهيونية وأبعادها السياسية والاقتصادية والعقائدية، أوقف عرضه الأول في رمضان 2003، وكان العرض الثاني 2005 على قناة أردنية غير أنه أوقف أيضا تحت ضغوط أميركية وإسرائيلية وأوروبية وجماعات ضغط يهودية. التقارير الصحفية أشارت إلى أن 24 حاخاما وقّعوا «عريضة» وقدموها للعاهل الأردني في لقائهم به في واشنطن عام 2005.

محلياً، قد يكون طاش ما طاش هو أول المواجهين للتطرف والإرهاب، وقد طلبت مكتبة الكونغرس الأميركية بعض أجزائه للاحتفاظ بها. الدراما الإماراتية دخلت في مواجهة التطرف من خلال «دعاة على أبواب جهنم» رمضان 2006، ومسلسل «دهاليز الظلام» رمضان 2017.

رمضان هذه السنة أيضا نشاهد «غرابيب سود» وهو عمل درامي ضخم يتطرق لجرائم تنظيم داعش في حق الإنسان وفضائح حقيقية داخل التنظيم نفسه، يرويها أناس عايشوا حيثيات التجربة مع تسليط الضوء على النساء السبايا وقصص الملتحقات بالتنظيم غراماً أو إرغاماً. لم تكد الحلقة الأولى تبث حتى تلقى فريق العمل ومدير القناة تهديدات بالتصفية.

يحارب الغلاة والمتشددون الدراما الرمضانية، على وجه الخصوص، ويرشقونها بالرزايا ويهددون أربابها، مما يدل على قسوة هذه الأعمال الموسمية عليهم، ولسان حالهم يقول: فإذا جاء رمضان رأيتهم ينظرون للدراما تدور أعينهم كالذي يُغشى عليه من الموت.

إننا نلاحظ الارتباط القوي بين الدراما والمجتمع بدليل النقاشات الواسعة التي تدور في المجالس الواقعية والافتراضية بعد كل حلقة من حلقات «سيلفي» أو «غرابيب سود» أو حتى برامج الكاميرا الخفية، مما يؤكد تأثير الدراما على حياتنا. الدراما الرمضانية يتابعها حتى المتطرف والإرهابي بدليل مشاركتهم في النقاش حولها في وسوم تويتر وتهديداتهم المذكورة آنفا.

رصد الإرهاب الديني والتشدد أضحى قيمة من قيم الجمال والإثارة، وعامل جذب قويا للمشاهد والقارئ لكونه يضرب التطرف في معاقله الفكرية والنفسية والبنيوية، غير أن هناك فئة من أصحاب الخطاب الديني التقليدي يرفضون أي نقد اجتماعي أو ديني إلا من خلالهم لاعتقادهم بأنهم يحتكرون الإسلام والمجتمعات الإسلامية وليس لأحد الحق سواهم في تناول مثل هذا الطرح.