كان هناك فيديو قصير عن الأهداف السوداء للعلمانية عرضه واعظ شهير يتابعه الكثير من المسلمين في العالم، خاصة أبناء المهاجرين في الغرب، طالبا ببراءة شديدة رأي الناس فيه، الفيلم كان باللغة الإنجليزية، ومن قدمه كان شبابا مسلما من مواليد الغرب، وتربيته في محاولة تبدو أنها منزوعة من سياقها، فالنصوص التي يذكرونها جرت قسرا لتبدو كأنها تشير للعلمانية التي تدير بلادهم، وبين أسطر التقرير اتهام للغرب الذي يعيش تحت ظلها، وإيضاح مزور لموقف إسلامي من العلمانية تدفعك محتارا كيف من الممكن لهؤلاء الشباب الذين منحتهم الليبرالية والعلمانية كرتا أخضر لممارسة دينهم والاحتفاظ بهويتهم، بل إمكانية شراء كنيسة وتحويلها إلى مسجد، أن يروا العلمانية هكذا؟
يومها علقت في حساب الشيخ الذي يفاخر بالملايين الذين يتابعونه أن ما يفعله خطير، فإذا لم يقدر أبناء المهاجرين العلمانية ويساندوا وجودها فإنها ستسقط، ولن يكون الصاعد المقابل الإسلام، بل الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تتقدم بقوة في الغرب، كما أن شيطنة نظام بلدان أصبحت أوطانا لمسلمين في نفوس شباب صغار من أبناء هذه البلدان المسلمين يتابعون هذا الواعظ، قد تؤدي إلى نتائج خطيرة لينهال علي عدد من أنصاره كعادتهم بأقذع الألفاظ وأسوئها.
إن هؤلاء الشباب الذين صرخوا في لندن «هذا من أجل الله»، والممتلئة قلوبهم بالعداوة والبغض لنظام مكنهم من البقاء والانتماء لبلاد يراهم نظامها شريكين أصيلين في حضارتها حتى صار عمدة لندن شابا مسلما، تعرضوا في أثناء محاولتهم التشبث بهوية الآباء أو الأجداد إلى رسائل قصيرة لكنها قوية المفعول، أسهمت في هذا الغضب الذي يترجم كعنف كعادة الغاضبين في العالم الغربي، فأصبح الشاب المسلم لا يختلف عن غيره، وهو الذي لديه من مبادئ تقدير الفضل واحترام العهد والتعامل بالحسنى ما ليس لدى غيره في العالم الغربي.
باختصار إن مثل هذا الواعظ كثيرون معظمهم يُؤْمن أنه لا يمكن أن يكون بطلا من دون معركة وعدو يقاتله، لذا تمادوا في صنع الأعداء حتى جعلوا من أنظمة حمات المسلمين في الغرب وحقهم في اتباع تعاليم دينهم، ربما كان خطرهم ضئيلا في مجتمعات لا تطبق العلمانية، لكن في بلاد صلب حياتها العلمانية يختلف الأمر، فشيطنتك لنظام دولة ما معناه أنك تشجع الشباب على كراهيته، وربما ترجموا الكراهية بما حدث في لندن وقبله مانشستر.