لا يوجد إنسان في هذه الدنيا لم يتعرض قط إلى مصاب أو بلاء في حياته أذهب النوم عن عينيه أو نزع الفرح من قلبه، فكلنا ذاك الإنسان! نتعرض للمصائب، ونمتحن بالابتلاءات بين فينةٍ وأُخرى، ويتجلى الفرق في طريقة تعاطينا للبلاء، وتلقينا للمصاب.

تفاءل فالدنيا زائلة، والعمر يمضي، والحياة ستستمر بك أو بدونك، فالساعات التي تقضيها بلا تفاؤل محسوبة عليك، ولن تجني منها إلا الحزن المستمر الذي يجعلك تنظر للحياة من جانبها المظلم، لا جانبها المشرق الجميل.

تفاءل فلست أول إنسان يصاب بالمحن، ولا أول من ابتلاه الله بالمصائب؛ فأشرف خلق الله، وهم الأنبياء هم أعظم الناس بلاءً، وأكثرهم مصاباً، ولكنهم بصبرهم وتصديقهم لوعد الله، ونظرتهم التي يملؤها التفاؤل عاشوا فأثروا، ودعوا فنجحوا، وأخلصوا فكوفئوا.

تفاءل ففي التفاؤل حسنة تخفى عن الكثير من الناس، وللمتفائلين تأثيرٌ يجهله الجمع الغفير من البشر، فحسنته أنه بلا ثمن، ولا يتطلب أي جهدٍ غير مجاهدة النفس، وتدريبها عليه حتى تصل للحالة التي تنظر فيها للحياة، وكأنها خلقت لك، وجعلت لأجلك، وسخرت لشخصك، والمتفائلون تأثيرهم عميقٌ جداً على من حولهم، فيكفي منهم فضلاً أنك إن نظرت إلى وجوههم بانت لك البسمة التي تملأ محياهم رغم ما قد يخفونه من ألم، ويسترونه من أحزان؛ تفرح، وتسعد، وتشعر بأن يومك جميل، وحياتك أجمل، فتنطلق في خوض الحياة بكل شجاعة وإقدام، وقلبك مليءٌ بالتفاؤل غير مكترث لما ستواجه في قادم الأيام.

تفاءل فلن يستفيد أحدٌ من نظرتك التي يخالطها اليأس، أو حالتك التي يغلب عليها القنوط، فتأثير ذلك متعدٍ على من حولك، ولن تجني منه شيئاً، ولن تستطيع معه حل المصائب ولا دفع البلاء الذي كتبه الله عليك، ولكنك بتفاؤلك ستستقبل البلاء، والمصائب بطريقة تجعلك تتطلع لما هو أجمل، وترجو ما هو أسمى، وتطمع لما هو خيرٌ وأبقى، فسيأتيك حتماً ما يخفف عليك أو يحجب ما أصبت به عنك، أو يستبدله الله لك بنعيمٍ مقيمٍ، أو فرح مبين.

أعلم أن التفاؤل أحياناً لا يكون بيدك، كما أعلم أن التفاؤل قد يكون صفةً جبل الله عليها قوما دون آخرين، وأعلم أن مصائب الدنيا المتتالية، وخيباتها المستمرة قد تجعلك تفقد الأمل، وتزهد بالتفاؤل، ولكن زهدك هذا سيفقدك لذة الحياة، وحلاوة الفرح، وسيمضي كثيرٌ من عمرك هدراً، وسيزداد عليك البلاء ضعفين، فلا سبيل لك إلا بالتفاؤل.

دعوني أخبركم سراً، وأُبلغكم عجباً؛ لست ذاك المتفائل، ولكني أجبرت نفسي على كتابة هذه الكلمات لعلي أصل إلى الحالة التي أطمح إليها بكلماتي التي كتبتها لكم، ورجائي أن تكون حافزاً لكلٍ منا لنكون جميعاً «متفائلين» مهما أصابتنا المحن أو أضعفنا البلاء.

دعونا نبتسم إلى الدنيا فلعلها يوماً تبادلنا الابتسامة، ودعونا نقف بكل شجاعة لكل ما يصيبنا منها، ودعونا نوكل أمرنا كله لله، ونبتسم، فأجمل الناس من تراه في أشد الظروف مبتسماً! تلك الابتسامة التي تجعل صباحك أجمل، وحياتك أسعد؛ فلا تجعل الدنيا تسلب منك هذه البسمة، فجميعاً نتطلع إليها شوقاً لرؤياها مع كل إشراقة شمسٍ وغروبها؛ أدام الله عليكم تفاؤلكم، ورزقنا وإياكم البسمة التي تسعدنا، وتسعدكم.