فالحمد لله، ثم الحمد لله، على بلوغنا شهر الرحمة، والمغفرة، والعتق، والجوائز، أعادنا الله، جل وعلا، إلى أمثاله، في خير وعافية، وتسلمه منا متقبلا، بمحض فضله وجوده.. المواضيع الرمضانية محيرةٌ جدا، ولعلنا اليوم نتذاكر معا، في أمر من الأمور العجيبة التي يهواها بعضنا؛ أقصد بذلك، تخصيص الأمور وحصرها، بلا أدنى موجب، وبدون أي دليل صحيح، يُعتمد عليه..
القاعدة العلمية في هذا الموضوع، هي تلك التي ذكرها الإمام ابن دقيق العديد وغيره، ونصها: «الأصل عدم التخصيص حتى يدل عليه دليل»؛ ومن هذا تخصيصهم للحديث النبوي الشهير «مَنْ أَثْنِيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْراً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرَّاً وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ».. من الناس، من يقول غلطا، عند شرحه للحديث؛ لا يشهد لأحد بالجنة إلا من شهد له الرسول، صلى الله عليه وسلم، ولا يشهد بذلك إلا هو، عليه الصلاة والسلام، ويضيفون على كلامهم ما نقله أمير المؤمنين في الحديث؛ الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد ابن حجر العسقلاني، في شرحه الممتع، المسمى (فتح الباري شرح صحيح البخاري)، عن أن ابن التين، حكى أن ذلك مخصوص بالصحابة، لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة، بخلاف من بعدهم، مع أنه، أي ابن التين، قال في سياق النقل: «والصواب أن ذلك يختص بالثقات، والمتقين»..
الحديث الشريف دالٌ، على أن الثناء بالخير، لمن أثنى عليه أهل الفضل، مطلوبٌ ومرغوب، وأنه أمر لا مانع منه؛ وذكر الإمام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، في كتاب الجنائز، في كتابه (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)، أن الحديث على عمومه وإطلاقه، ومعناه الصحيح «أن كل مسلم مات، فألهم اللهُ تعالى الناسَ، أو معظمهم، الثناء عليه؛ كان ذلك دليلا، على أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا؛ وإن لم تكن أفعاله تقتضيه، فلا تحتم عليه العقوبة، بل هو في خطر المشيئة، فإذا ألهم الله عز وجل الناس الثناء عليه، استدللنا بذلك على أنه سبحانه قد شاء المغفرة له، وبهذا تظهر فائدة الثناء»..
الجنة والنار، لا علاقة لهما إلا بالأعمال، واستحقاق الجنة مرتبط بالتقوى لا غير، يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}؛ أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتقين، وأن يكفينا شر أنفسنا، ومن حولنا، ويرزقنا التوفيق في أعمالنا، ويجعل رمضاننا الكريم مفتاحا لتحقيق أمانينا.