قمم الرياض هي بداية مسار عربي إسلامي دولي جديد وليست مجرد مناسبة عابرة. وإن ما بدأ في الرياض استكمل في الفاتيكان، ثم اجتماعات قادة الناتو في بروكسل، ثم قمة الدول الصناعية السبع في إيطاليا وما صدر عنها بخصوص روسيا والتي استوجبت حضور الرئيس الروسي بوتين إلى باريس لمناقشة نتائج القمة الصناعية والأزمة السورية مع الرئيس الفرنسي مانيول ماكرون، وإيفاد وزير خارجية روسيا لافروف إلى القاهرة قبل استقبال ولي ولي العهد السعودي في موسكو، وذلك بعد أن حشدت إيران ميليشياتها على مقربة من الحدود السورية العراقية، حيث تم إلقاء المناشير من الطائرات الأميركية تدعو الجميع إلى الابتعاد عن منطقة العمليات العسكرية.

بعد قمم الرياض دخل العالم في مرحلة من التواصل والحوار من أجل بناء نظام دولي جديد كان قد تأخّر خمسة وعشرين عاما، وهو عالم ما بعد الحرب الباردة 1991 وما بعد سقوط جدار برلين، إذ إن نهاية الحرب الباردة لم تكن كنهاية الحرب العالمية الأولى، حين التقى المنتصرون في الحرب في فرساي 1919 ووضعوا أسس السلام الدولي عبر اتفاقية عصبة الأمم ومقرها جنيف، والتي امتنع الكونجرس الأميركي عن تصديقها رغم مشاركة الرئيس ويلسون في مؤتمر فرساي.

الحرب العالمية الثانية كانت ويلاتها أكبر بكثير من الحرب الأولى، وانتهت في عام 1945. وأيضا اجتمع المنتصرون في مدينة يالطا في شبه جزيرة القرم، من أجل بناء نظام عالمي جديد، والذي تبلور في مؤتمر سان فرنسيسكو، حيث أعلن عن تأسيس الجمعية العامة للأمم المتحدة ومقرها في نيويورك بديلا عن عصبة الأمم في جنيف. وخضعت الدول المهزومة في الحرب لحزمة من العقوبات الاقتصادية والعسكرية، وفي مقدمتها ألمانيا واليابان، وهما الأكثر تقدما الآن بين اقتصادات الدول الصناعية الكبرى.

إن الحرب العالمية الباردة انتهت في عام 1991 وتحديدا بعد احتلال الكويت وعاصفة الصحراء بقيادة الرئيس الأميركي بوش الأب، الذي لم يبادر إلى دعوة الحلفاء المنتصرين في الحرب الباردة إلى اجتماع لبناء نظام عالمي جديد، كما حصل بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية في فرساي ويالطا وسان فرنسيسكو، بل اكتفى بمحاولة متواضعة عبر الدعوة لمؤتمر مدريد للسلام في المنطقة العربية عام 1992 على إثر تحرير الكويت الذي انتهى إلى اللاشيء، بعد أن خسر بوش الأب الانتخابات الرئاسية لولاية ثانية.

بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين بدأت فكرة الأحادية الأميركية تتقدم على النظام الدولي، وبدأ ظهور ما عُرف بالمحافظين الجدد الذين تنكروا لحلفاء الحرب الباردة وفي مقدمتهم الدول العربية والإسلامية التي حاربت الشيوعية والاتحاد السوفياتي في دولها، وطردوها من مصر وباب المندب وأفغانستان وغيرها، وكذلك الأمر بالنسبة للفاتيكان الذي أسهم في تفكيك المنظومة الشيوعية في بولونيا وأوروبا الشرقية، بالإضافة إلى تأثيره في أميركا الجنوبية بالإضافة إلى الحلفاء الأوروبيين الذين ساعدوا على سقوط جدار برلين وتحملوا تبعات الانفتاح على دول أوروبا الشرقية المنهارة اقتصاديا.

بين عامي 1992 نهاية الحرب الباردة وقمم الرياض 2017، وعلى مدى ما يقارب ربع قرن من الزمان سادت حالة من التنكر الأميركي لحلفاء الحرب الباردة من العرب والمسلمين والفاتيكان والأوروبيين وحلفاء الناتو والقوميين الروس وشعوب دول الاتحاد السوفياتي السابقة، وذلك باعتماد سياسة الأحادية الأميركية والفوضى الخلاقة، وكانت قمة تجلياتها عملية احتلال العراق 2003 خلافا للإرادة الدولية والعربية، بتحالف ثنائي بين أميركا وبريطانيا، والذي أوصلنا إلى الفوضى العالمية والتطرف.

بعد قمم الرياض نشهد عودة التنسيق بين شركاء الحرب الباردة على قاعدة توزيع المسؤوليات واحترام الخصوصيات، وهذا ما تضمنه إعلان الرياض وتحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي وبيان بروكسل لقادة الناتو، وانخراط الحلف مبدئيا في التحالف الدولي ضد الإرهاب من دون الحديث عن المشاركة في الميدان، ثم توجهات الفاتيكان ثم بيان قمة الدول الصناعية السبع في إيطاليا والحديث عن التنسيق مع روسيا في سورية، ثم زيارة بوتين لباريس، ثم زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى موسكو.

تحمّلت منطقتنا العربية أكلافا عالية إبان الحرب الباردة، وكذلك الأمر بعد انتهائها وانتظرت 25 عاما لكي ينطلق من الرياض نظام عالمي جديد.