مما يسعد أبناء هذا الوطن أن لحمة الرحم ولله الحمد والفضل متجذرة في نفوس الناس، ويعلو صوتها في مناسبات الخير مثل هذا الشهر الفضيل، شهر رمضان الذي تُعلن فيه أعداد كثيرة من القرارات المتعلقة بالإعفاءات الحكومية، ومنها ما أعلنته مديرية السجون من إعفاءات عن سجناء شملت 2067 سجينا حتى لحظة كتابة هذا المقال، وهو ما شجعني أن أعنون مقالي بتراحم وإطلاقه هاشتاقا في رمضان المحبة والتراحم والتكافل، ولعل من اختار توقيت إطلاق السجناء في رمضان كان موفقا، حيث يزداد العمل الخيري، ويهب رجال الأعمال في هذا الوطن، في جنوبه وشماله وكافة مناطقه للاتصال بذوي السجناء وجمعية تراحم الذي يرأس مجالسها أمراء المناطق، وتعقد لها اللجان والمتابعة والتأكيد على المصداقية وسرعة الوصول إلى المحتاجين، وهنا أعجبني ذلك المنظر الجميل والعدد الهائل في حائل وجدة التي جمعت شتات الأسر بذويهم، وتفاعل رجال الأعمال والموسرين وكبار التجار في هذه المناطق، وكانت الأرقام التي تناقلتها وسائل الإعلام قد أوضحت بجلاء همة هذا الوطن مع أبنائهم وإخوانهم نزلاء السجون، ففرح الوطن بهذه الخطوة التي باركها أمراء المناطق، وتشهد كل ليلة رمضانية دفعات جديدة من الذين خرجوا من السجون، وفرحت أسرهم بدخولهم مبتسمين على أهلهم بفضل الله، ثم الفضل لتراحم والجمعيات الخيرية، التي أقيمت في كل منطقة، ترصد خلال عام كامل ملفات النزلاء، ثم يأتي الشهر الفضيل مصحوبا بالعفو الملكي السنوي المبارك الذي يتيح الاستفادة من جهود هذه الجمعيات، وما تتفضل به الدولة أيضا من مراجعة لأصحاب السجون، الذين تنطبق عليهم شروط العفو العام، وتوج هذا كما ذكرت بهمة رجال الأعمال في وطننا الكبير، فأقيمت المناسبات الرمضانية التي يدعى إليها كبار التجار، ليعلنوا عن أرقام مفرحة لمثل هذه الأعمال الخيرية وجمعيات تراحم وجمعيات التواصل على مستوى المملكة، لكن المتفوق هذا العام هو هاشتاق تراحم الذي جمع المشاهير من خلالها ملايين الريالات، فمثلاً في الرياض كانت أوقاف صالح الراجحي في مقدمة أعمال الخير التي تتعاون مع هذه الجمعيات، وجمعية تراحم في جدة بحضور أميرها النشط الأمير خالد الفيصل، ورجال أعمالها أمثال الشيخ محمد العمودي الذي عمل وقفاً لجمعية تراحم لتكون سنوية، بدلاً من كونها رمضانية، وفي الشرقية تقوم جمعيات أبناء بمتابعة أميرها سعود بن نايف ورجال أعمالها، الذين جمعوا ما يفوق الملايين لهذه الجمعيات التي تنشط في رمضان.
إن هذه الصورة تُعطي دلالة على ترابط أبناء هذا المجتمع السعودي الذي يظلله شهر البركات، وهي دعوة أوجهها عبر هذه الصحيفة لكبار التجار في مناطق المملكة أن تكون هذه المبادرات والجمعيات الخيرية المتوزعة في المملكة، تحت مظلة واحدة ليتحقق أكبر نجاح في توحدها، ولعل نجاح هاشتاق تراحم وتدافع أهل الخير والعطاء على أن يعيش نزلاء السجون مع أهاليهم، يجعلني أتطلع إلى توسيع هذه الدائرة لتشمل المملكة كلها، ولا يقتصر الأمر على منطقة أو محافظة بعينها، وحتى يعم الخير وأموال التجار المحافظات الصغيرة، وتقوم إدارات السجون بدراسة واضحة عن احتياجها لكل عام رمضاني، لتقف الأيادي الكريمة من أبناء القطاع الخاص مع الأسر المحتاجة، ثم يتم توزيع ذلك وفق جدولة أعداد السجون على مساحة المملكة، ونضمن أن الفرحة تعم الجميع دون منطقة، وإن كان قد أسعدني نجاح حملة تراحم التي أُطلقت ونجحت بإخراج آلاف السجناء خلال خمسة أيام من رمضان، ودعائي لهم بالقبول وإلى مزيد من التراحم، ليتم جمع الشمل التام مع أسر السجناء قبل نهاية رمضان، وشكراً لأمراء المناطق على الوقوف بأنفسهم على رأس هذه الجمعيات الخيرية، وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً، والله الموفق.