أتى رمضان، بكلّ أبّهته الروحية والوجدانية داخل قلوبنا وأرواحنا كمسلمين، ولكنّ ما يكسر تلك اللوحة الإيمانية والشعورية الجميلة داخلنا، هم سماسرة الشاشات.
سماسرة الشاشات، هم ملاّك الفضائيات العربية، خاصّها والعام، حكوميّها والمُستقل، فكلهم ينتظرون شهر رمضان المبارك، ليس لدعم ذلك التشكّل الروحاني الجميل داخلنا، من خلال أطروحات تحترم خصوصية رمضان المقدسة زمانياً، ولكن ليبدؤوا في ضخ أكبر مادة بصرية ملوّثة، في 30 يوما، من كل عام.
سماسرة الشاشات، ومقرصنو الجيوب، لا تهمهم قيمة رمضان الدينية، ولا تشغلهم قضية الطوق المقدّس لهذا الشهر الفضيل، ولا تؤرقهم الذنوب، ولا تغريهم الحسنات، فهم بذاتهم ذنوب سنويّة، إنّهم (عملٌ غير صالح).
الذي يهم أولئك السماسرة الفضائيين، هو نسب المُشاهدات، ونسب رسائل الـ sms المتدفقة في برامجهم المسابقاتية، والنسب التي سيأكلونها بعد توقيع العقود مع منتجي المسلسلات، أكلاً لمّا.
لست هنا أقوم بدور الواعظ، ولكني أتحدث عن الحد الأدنى من احترام رمضان القيمة، وهو الحد غير المتوفر، في ظل هذا التسابق المحموم بين سماسرة التلفزيونات العربية، التي لا تعرض إلّا كلّ ما يُسطّح الفكر، ويُفرّغ القيم، ويستتفه الذوق العام.
لقد أفرغ إعلامنا العربي محتوى رمضان، وجعله مسرحاً مفتوحاً للتجريب والتخريب والتغريب، دونما وازع ديني أو أخلاقي، أو في أحسن الأحوال، ذوقي.
إنهم سماسرة الصيام والقيام، وصائدو الفرص التي تدر ذهباً، في وقت نحاول فيه أن نقنع صغارنا أن رمضان هو شهر التعبد والمآذن، بينما لا يرون في الشاشات، تعبداً ولا مآذن، وإنما ساعات مُفرّغة من وقتها وعقاربها.