لا يزال دور المرأة السياسي محجما ومحددا، و تظل المرأة في بعض البرلمانات والمواقع السياسية منسية، أو منفية في المقاعد الخلفية حيث ما زالت القوى الذكورية تنظر بعين الريبة إلى أهليتها في صنع القرار، اللهم إلا في المرافق العامة المحددة سلفا، والمتفق عرفيا على أنها " أنثوية" مثل الصحة والتعليم وشؤون الطفل. لكنها تظل مقصية عن القطاعات المؤثرة الفاعلة سياسيا، والمقتصرة على الرجل مثل الأمن القومي والاقتصاد، والعلاقات الدولية، وغيرها من المناصب السياسية المؤثرة.

وتلعب العوائق الاجتماعية والثقافية المكونة لاتجاهات المجتمع ونظرته للمرأة دورا في تهميشها والنظر إليها على أنها زوجة وأم فقط، ومن ثم حصر مسؤولياتها ضمن هذا القطب الأحادي المرتبط بتكوينها الفسيولوجي، ليتم عزلها فكريا وسياسيا وحضاريا، وإلغاء قدراتها وإبداعاتها الفكرية والثقافية.

ويلعب الإعلام أيضا دورا في الانتقاص من قدرة المرأة سياسيا ودبلوماسيا من خلال تصويره السلبي للمرأة، والمغالطات الخاطئة المتحاملة خاصة على المرأة التي تقلدت مناصب سياسية في بعض الدول المتقدمة سواء وزيرة أو نائبة حزبية أو حتى رئيسة دولة، كما رأينا من تعليقات على كوندليزا رايس مذ توليها منصب مسؤولة الأمن القومي سابقا في الحكومة الأمريكية ومن بعدها الخارجية. ولم تنج هيلاري كلينتون عضو مجلس الشيوخ الأمريكي سابقا ووزيرة الخارجية حاليا، وكذلك الهجوم اللاذع على بنازير بوتو رحمها الله عندما كانت رئيسة وزراء الباكستان. وأيضا النهاية السريعة لرئيسة وزراء إندونيسيا سابقا ميجاواتي سوكارنو. ولا ننسى الخطاب التهكمي الذي انقض على مرشحة الحزب الجمهوري لمنصب نائب الرئيس في الانتخابات الرئاسية عام 2008 سارة بالين كتصويرها على أنها مجرد أنثى مهووسة بأصبع أحمر الشفاه، أو كبلهاء أقحمت في عالم السياسة؛ مما أثار غضب المنظمات النسائية المحافظة التي اعتبرت ذلك إساءة للمرأة، وتشويها لصورة أول أنثى تترشح لهكذا منصب في تاريخ الحزب الجمهوري.

ولطالما حارب الساسة الذكور المرأة ورفضوا مشاركتها ودخولها السياسة الذي اعتبروه عرينهم وحدهم، كما حصل في كثير من الدول التي برزت فيها المرأة وحركات تحرير المرأة كقوة فاعلة مضادة. واستمر الوضع في عالمنا العربي حتى فترة قصيرة كما حصل سابقا في الكويت لولا المكرمة الأميرية ودعم الحكومة لحقوق المرأة السياسية، ووقوفها في صفها لإنهاء تعنت تلك الفئة من الذكور المصابة بأرتكاريا المرأة.

وفي رأيي أن مفهوم السلطة AUTHORITY أو القوة POWER المرتبط بالسياسة هو الذي أدى إلى هذا التشكيك في قدرة المرأة على خوض غمار السياسة، والخلط بين القوة العقلية والفكرية والقوة الفيزيائية أو الجسدية، إذ إن "القوة" قد ارتبطت دائما بالعضلات والتفوق الجسماني. وهذا ما رجح كفة الرجل، وحرم العالم من قوة أسمى وأبرك، وهي قوة المرأة المتجذرة في الأمومة الكونية التي تشربت بها الأرض ورضع منها جميع البشر.

فلماذا الإصرار على رجلنة السياسة؟