على الرغم من أن داعش وأخواتها فقدت خلال الأشهر القليلة الماضية الكثير من مناطق نفوذها الجغرافي في كل من العراق وسورية، إلا أن خطرها لازال ماثلا وتهديدها لازال حقيقيا، فالإرهاب بطبيعته ينبع

من فكرة، والفكرة ذاتها لا يمكن التغلب عليها فقط بالحديد والنار، فشواهد التاريخ أثبتت لنا أن التغيير الذي يأتي فقط بالقوة لا يحدث في الغالب إلا تغييرا على المدى القصير والمتوسط، ولنا في تنظيم القاعدة مثال، فالحرب الأميركية على أفغانستان عام 2001 لم تتمكن من اغتيال النواة التي أصبحت فيما بعد داعش، وعليه فتطبيق خطوات موازية للمجهودات العسكرية يعد أمرا غاية في الأهمية لمقاتلة الفكر المتطرف والإرهاب البغيض.

هناك عدة خطوات لا بد من الأخذ بها ابتداء بمحاولة فهم هذه الجماعات من الناحية العقدية والنفسية والاجتماعية، ومعالجة مواطن الخلل في مجتمعاتنا التي تؤدي لتحويل هذه الجماعة وغيرها إلى تنظيمات جاذبة للشباب، والعمل في ذات الوقت على تنظيم حملات مضادة تضع في عين الاعتبار الطبيعة الحقيقية لهذه الجماعة، بعيدا عن مجرد وصفها بأنها خارجة عن الدين ومارقة.

في ذات الوقت علينا أن نعمل على إزالة كل الظروف التي تؤدي لظهور جماعات مهمشة في المجتمع، أو تلك التي ترى نفسها كذلك، فقد بدا واضحا أن الذين يرون أنفسهم غرباء عن المجتمع، إما لدواع اقتصادية أو نتيجة تنشئة متشددة هم الأكثر تأثرا والأسهل انخراطا في تلك الجماعات، التي تستغل تشتتهم النفسي لإيهامهم بوحدة الانتماء والمصير.

لا بد من محاربة كل المجهودات التي تعمل على تمويل هذه الجماعات على جميع المستويات، إن كان ذلك من خلال إحكام السيطرة على المؤسسات المالية، وهو أمر تقوم به الدول بشكل كبير أو من خلال تقنين ومراقبة جمع التبرعات في المساجد ومواقع التواصل الاجتماعي، وعلى الدول كذلك أن تكون أكثر حذرا من المبالغ التي تقوم بضخها لدعم الجماعات العسكرية التي تحارب الإرهاب للتأكد من أن تلك الأمول لا تذهب للجماعات الإرهابية.

لابد أن يكون هناك جهد أكبر من أجل تفكيك الخطاب الديني الذي تستخدمه داعش وأخواتها، بحيث يظهر للجميع حجم التناقضات والخطأ فيها، فما يتم تداوله في الغالب من قبل أتباع هذه الجماعة لم يتم الرد عليه بشكل مؤسسي مؤثر، بل ترك فقط لمجهودات مبعثرة هنا وهناك، لذلك لا زال ينظر لخطابهم بأن منبعه صحيح، وأن كل قول غير ذلك ما هو إلا محاربة لمبادئ الدين من جهاد وإعلاء لكلمة الله.

على المستوى الفردي هناك الكثير مما يمكن للإنسان أن يقوم به لمحاربة هذا الخطر، منه عدم مشاركة الأفراد للمقاطع والصور التي يتم بثها من قبل الجماعات الإرهابية في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تعد خطوة مفصلية لمنع انتشار خطابهم التحريضي، ثم من المهم أن يتابع أولياء الأمور طبيعة تصفح أبنائهم للإنترنت، والتأكد من أنهم غير منجذبين لألعاب العنف ومواقع التطرف والمعرفات الإرهابية، فغالبية التجنيد تبدأ من هناك، كما على الإنسان أن يكون قريبا من أبنائه بحيث يتحدث إليهم ويستمع لهمومهم ويشاركهم في كل ما يقومون به، ويساعدهم على فهم الإشكاليات الفكرية التي قد تمر بهم في سنوات تكونهم الذهني والعاطفي، فنافذة المراهقة في عمر الإنسان تمر سريعة ولكنها بلا شك الأهم في تكوين ما سيكون عليه الإنسان في المستقبل.

لابد أن يعي الفرد أن التبليغ عن السلوكيات المشبوهة هو أمر في غاية الأهمية لمحاربة الإرهاب والتطرف في المجتمع، كما أنه السبب الأهم في التقليل من احتمالية حدوث الهجمات والأعمال التخربيبة، لذلك علينا جميعا ألا نتساهل مع أي مظهر نرى فيه أنه قد يؤدي بصاحبه إلى تلك البقعة الموبوءة.