لم أستغرب فوز دولة قطر الشقيقة كأول دولة بمنطقة الشرق الأوسط في استضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم لعام 2022م، ونجاح ملفها في منافسة دول عظمى بإمكاناتها كأمريكا؛ لقد عرفتُ أنها ستفوز منذ زيارة يتيمة للدوحة قبل عدة شهور؛ حين مررتُ أثناء تجوالي بمبنى ضخم بتصميم جاذب؛ أثار سؤالي لأعرف أنه "ملعب رياضي صديق للبيئة وهو من مشاريع قطر الكبرى لاستضافة كأس العالم" هكذا ومنذ تلك اللحظة أيقنت أن الرؤية للمستقبل حين تكون واضحة المعالم، دقيقة في تصوير أهدافها؛ يكون تحقيقها أكثر سلاسة وإن كانت التحديات جبارة.
لكن في قطر ما هو أكثر من مجرد بناء 12 ملعبا رياضيا تعتبر صديقة للبيئة تستضيف كأس العالم؛ فالوصول إلى هذا المشروع العالمي يحتاج إلى تأسيس وعي المجتمع القبلي القطري؛ وليس ذلك إلا من خلال التعليم المتطور لتأسيس عقول جيل من القطريين ينتمون لمجتمع قبلي قادرين على استيعاب أهمية استضافة كأس العالم وما ستحققه من استثمارات عالمية لهم، وفوج من السياح على اختلاف لغاتهم وأديانهم وأجناسهم؛ وأتذكر أني حين كنتُ هناك قرأت في إحدى الصحف القطرية خبر تخريج دفعة جامعية من جامعة جورج تاون في قطر؛ بصراحة أدهشني الخبر؛ فهذه الجامعة هي من أعرق الجامعات الأمريكية في واشنطن؛ وقطر كدولة عربية استطاعت استقطاب فرع منها إلى أرضها ومناخها؛ هناك أيضا سوق "واقف" التاريخي؛ وهو من أسواق الدوحة القديمة؛ تتجول فيه لتجد نفسك تعود إلى التاريخ أكثر من ستين سنة؛ يعيش السائح وكأنه في بطن التراث؛ ويقدم لك ملخصا تاريخيا ممتعا؛ رغم أنك قد تتناول وجبة البيتزا الأمريكية أو تشرب الكابيتشينو في مطاعم ومقاهٍ عالمية؛ لكنها داخل دكاكين طينية تراثية؛ فكل شيء يصور الماضي الباعة والدكاكين وطريقة لباسهم؛ حتى رجال الأمن يتجولون بلباس عسكري قديم على خيول كما في الماضي؛ إذن احترام التاريخ وحماية الإرث البشري من المحو والكساد والتبلد أدعى لتأصيل الجذور الإنسانية الوطنية وأقدر على إطالة عمرها الزمني خلال المنافسة الثقافية على الهوية مع الآخر في ظل التوجه للمستقبل؛ ولهذا ترى دول العالم التي لا تمتلك تاريخا تصنع تاريخها، وتحتفي بمجرد عقود؛ فما بالكم بآلاف السنين؟! والأكثر من ذلك مشروع قطر في إنشاء "الحي الثقافي" المطل على البحروالذي تعمل فيه الآن؛ إنه نابع من رؤية تحتفي بالثقافة والمثقفين وتشجع الإقبال على أطياف الإبداع المختلفة وروافد الثقافة والفنون المتنوعة؛ إنه حي هدفه الاستثمار الثقافي في توفير بيئة خصبة تهيئ الهدوء والإلهام ليتفرغوا للإبداع والإنتاج الفكري! وما زلت أتذكر تلك الكلمات الملهمة للإنسان القطري المكتوبة على البنايات الشاهقة والكورنيش "ابدع"، "تخيل"، "ابتكر"؛ وليس أجدى من تذكر ما بقي من الحضارات الإنسانية القديمة كالإغريق والرومان والفراعنة وحتى الإسلامية في إسبانيا؛ ماذا سنجد؟! فنونها إما عمارة أو رسم أو نحت وكتب في الأدب والفكر والفلسفة والعلوم؛ هذا هو ما بقي من آثار تلك المجتمعات، أخيرا؛ مبروك للأشقاء القطريين فوزهم وانضمامهم لمنافسة الدول العظمى، إنهم بما أنجزوه مصدر فخر خليجي وعربي بلا شك.