قمم الرياض وما نتج عنها من اتفاقيات وإنجازات، هل كانت بتلك المفاجأة الهائلة التي لفتت الانتباه ووجهت بوصلة العالم نحوه وشدت أنظار المجتمع الدولي بأسره؟

قد يكون كذلك عند الكثير، غير أن المتابع للأحداث عن كثب قد لا يتفق على وصفها بالمفاجأة والحدث المذهل الغريب رغم إقراره بأهمية الحدث والنتائج التي تمخضت عنها القمم الثلاث، فلماذا؟

بالنظر للأحداث المصيرية التي كان لها دور في تغيير كتابة التأريخ الحديث، نجد أن الرياض لا تخرج من أن تكون هي اللاعب الرئيس أو المشارك الفاعل في كتابة شذراته الذهبية.

المواقف التأريخية عديدة لن نستطرد سوى نماذج منها. سجل التأريخ دور الرياض الفاعل في أحداث 1973 وتسخيرها ميزانيتها الضخمة للجيش المصري واستخدام سلاح النفط حينذاك. لقد ضحّت الرياض باقتصادها النفطي آنذاك مرتين، مرة خفض الإنتاج ورفع السعر، مخالفة بذلك منظمة أوبك في حالة أشبه بالقنبلة العالمية الكبرى، ومرة أخرى في قطعه عن الدول الداعمة لإسرائيل للتأثير على مجريات الأحداث لصالح الدول العربية وشعوبها ومصيرهم.

لا نحتاج للتذكير بالموقف السعودي من الغزو الغاشم ضد الكويت الشقيقة ومقولة الملك فهد الشهيرة: «الكويت والسعودية بلد واحد.. نعيش سوا أو نموت سوا».

استعادة الشرعية الكويتية في القرن العشرين بقرار سعودي تأريخي بقيادة أميركا وحلفائها، واستعادة الشرعية اليمنية في القرن الواحد والعشرين بقرار تأريخي سعودي أيضا لكن بقيادتها وحدها وتعاون حلفائها من الدول العربية والإسلامية.

الحدث الآخر والذي قد لا يقل شأنا عما سبق، هو تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في ديسمبر 2015 والذي استطاعت الرياض إقناع 41 دولة عربية وإسلامية للانضمام في هذا التحالف الواسع وغير المسبوق وفي وقت يسير.

لو أن عاصمة أخرى استضافت قمم الرياض المنعقدة هذا الشهر لكان هناك مبرر للذهول وتملك الدهشة وتسمر الأعين أمام ما يجري، ليس من حسن تنظيم وقدرة فائقة على إدارة هذه القمم فحسب، بل في القدرة الهائلة على قلب الموازين السياسية وانتهاز فرصة قيادة جديدة لدولة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية وتغيير مفاهيمها تجاه المسلمين، وإعادة العلاقات مع العالم الإسلامي بعد التصعيد أثناء الانتخابات الأميركية وبعدها. المحصلة النهائية أسفرت عن التأثير على الإدارة الأميركية الجديدة في التحول النهائي والكامل إلى موقع أمامي معاد لإيران كراعية للإرهاب العالمي.

إن تغيير البروتوكول الرئاسي للولايات المتحدة من حيث جعل الرياض أول محطة خارجية للرئيس الأميركي، بل والتشرف بذلك، هي القراءة الطبيعية للرئيس الأميركي لدور الرياض في صفحات ماضي التأريخ، مما يجعل لذلك دلالاته لزعماء أميركا القادمين لكتابة مستقبل التأريخ.

وفي اختيار توقيت زيارة الرئيس الأميركي تزامنا مع مؤتمر دول الخليج ومؤتمر الدول العربية والإسلامية دليل جلي على حرص الرياض على مصلحة الأشقاء ومنحهم فرصة لقاء الرئيس ترمب والوفد المشارك لتقوية العلاقات الثنائية وبناء المصالح الاقتصادية. هذا العمل بحد ذاته موقف فروسي شهم وبعيد النظر، إذ لم تخصّ الرياض نفسها بهذا اللقاء التأريخي، وفيه إشارة لروح العمل الجماعي لا الفردي الأناني.

لقد كشفت الدبلوماسية السياسية السعودية دلالات هائلة على ثقلها الكبير، ونتيجة لذلك فقد انكشفت الأقنعة المأزومة التي تغيظها المكانة العالمية للمملكة، وتضيق بها الأرض حين ترى نور وئام تقوم به عاصمة السلام الرياض لمواجهة التطرف، الأمر الذي أسقط تلك الأقنعة لتثبت بأنها هي الطرف المتطرف المعني، وإلا لم يكن لتزعجها أحداث الرياض.

ثلاث قمم تلوعت منها ثلاث جبهات، (إيرانية، إخونجية، قومجية) خرجوا من جحورهم لهول الصدمة التي لم يطيقوا احتمالها. أضلاع الشر الثلاثي تجمعهم عبارة واحدة (جاء ترمب لنفط الرياض وليس للرياض)، ونسوا أن السعودية ليست هي البلد النفطي الوحيد في العالم العربي والإسلامي! فلماذا هنا وليس هناك؟!