حصلت المحاكم التنفيذية في المملكة على جائزة الأمم المتحدة للتميز التقني، عن منظومة خدمات التنفيذ الإلكترونية، والتي من أهمها مشروع (محكمة بلا ورق)، المشروع الاستراتيجي الفعال الذي يساهم في رفع نسبة الأداء في المحاكم التنفيذية. وتعد الجائزة اعترافا دوليا بأن وزارة العدل قد واكبت التحول الرقمي للخدمات العدلية وفقا لرؤية المملكة.
والجائزة عبارة عن مسابقة ينظمها الاتحاد الدولي ومنظمة الأمم المتحدة، يتم فيها اختيار أفضل التطبيقات والإنجازات، إذ تم ترشيح مبادرة وزارة العدل من بين 345 قصة نجاح في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من جميع أنحاء العالم.
ولا ينكر أي فرد، كانت تُنجز معاملاته في المحاكم سابقا، بعد خسائر نفسية ومادية، وضياع نصف عمره في انتظار خطاب يرفع وخطاب يُرسل، بأن النظام الإلكتروني الجديد بدأ يوفر الكثير من الوقت والعناء، بإعادة الحقوق إلى أصحابها، والحد من المماطلة في تنفيذ الأحكام.
ويتلخص مشروع محكمة بلا ورق، الذي لم يأخذ حقه في التعريف في رأيي إعلاميا بحجم التغيير الجذري الذي أحدثه، على وجود نظام إلكتروني، لمختلف مراحل التنفيذ، تبدأ بتقديم طلب تنفيذ ومتابعة مراحله حتى تنفيذ الحكم، دون الحاجة فعليا لمراجعة المحكمة. وتوفر تلك المنظومة عدة آليات تعزز من صلاحيات القاضي، من خلال الربط الإلكتروني المباشر، مع عدد من جهات التنفيذ، مثل وزارة التجارة ووزارة الداخلية، ومؤسسة النقد وغيرها من الجهات الحكومية والخاصة. ومن ضمن تلك المنظومة، مبادرة الربط مع الصحف إلكترونيا، والتي دُشنت منذ ثلاثة أيام تقريبا، من ضمن حزمة من مشاريع الربط الإلكتروني التي تطبقها وزارة العدل. حيث تتيح هذه الخدمة (لطالب التنفيذ) الدخول على رابط طلب تنفيذ إلكتروني، وتعبئة صفحة معلومات، يتم مراجعتها من قبل قاضي التنفيذ، ففي حال الموافقة على الطلب، يتم إرسال رسالة سداد لطالب التنفيذ، ويرسل بعدها الطلب للصحيفة الأكثر انتشارا في نفس المنطقة، فتنشر إعلانات التنفيذ المنصوصة في نظام التنفيذ ولوائحه، وذلك في حال تعذر إبلاغ «المنفذ ضده» بأمر التنفيذ لعدم معرفة مكانه وعنوانه، أو في حالة التعمد بإخفاء نفسه، وبعد خمسة أيام من نشر الإعلان دون استجابة المنفذ ضده، تتخذ الإجراءات ضده وفق لوائح التنفيذ، والتي تشمل في البداية إيقاف الخدمات والمنع من السفر، وتصل في حالات أخرى للسجن.
وليس هناك أدنى شك بأن وزارة العدل، من أعلى هرمها وزير العدل، تمكنت حقا من أن تحدث نقلة تقنية في أروقة الوزارة، التي ما زلنا نتابع بإعجاب، عمليات التحسين التي تحدث إلكترونيا ونتمنى أن لا تنتهي حتى تليق بالدولة والمواطن.
وبعيدا عن الجائزة، دعونا نتفق بأن التميز ينبغي أن يتحقق في منظومة عدلية شاملة ومتكاملة. والنظام الحالي لم يتم الربط فيه إلى الآن مع أهم جهتين تنفيذيتين الأمن العام والحقوق المدنية، اللتين في رأيي هما من أهم جهات التنفيذ، لكثير من قضايا الأحوال الشخصية التي تعج بها أروقة المحاكم. فما زالت المحاكم حتى بعد إصدار صك تنفيذ، ترسل خطابات تنفيذ ورقية لأقسام الشرطة تطلب منها التنفيذ، فترسل لهم الشرطة بالمقابل إفادة ورقية أخرى بالمستجدات، وحالما تتسلمها المحكمة، ترسل إفادة أو خطابا للشرطة ثانية وهكذا، وإذا لم يتم مناولة خطاب التنفيذ يدويا للشرطة في نفس الوقت مثلا، قد يستغرق وصوله عدة أيام أو أسابيع. وحين يصل لا توجد متابعة فعلية أو إلكترونية من المحكمة، تتبين فيها إن كانت الشرطة أو الحقوق نفذت، أم لم تنفذ.
لذلك نجد مع كل تلك التحسينات التي طرأت على كثير من الإجراءات القانونية والعدلية، ما زالت أصوات التذمر يتعالى أغلبها في مناطق خارج مدينة الرياض، من إجراءات معينة، لا نستطيع أمامها أن نلوم فيها المتضررين. فالفرد اليوم، لا ينظر للنظام العدلي كنظام إلكتروني، بقدر ما يراه نظاما شاملا متكاملا، والشخص المتضرر من عدم تنفيذ حكم لن يعتبر بأن النظام ناجح أو فعّال، دون أن يشعر حقا بأن المحكمة تتابع تفاصيل وإجراءات التنفيذ. خاصة حين تتهاون بعض الجهات المنفذة للأحكام، بحكم قضائي كان قد حدد فيه القاضي الوقت والزمن، ومع ذلك لم تنفذه الشرطة أو الحقوق المدنية في حينه، بسبب تقمص بعض الأفراد في هاتين الجهتين على سبيل المثال، دور الشؤون الاجتماعية تارة، ولجنة الصلح تارة أخرى، خارجين فيها عن حدود دورهم الحقيقي في التنفيذ الفعلي، فلا ينجحون في إكمال الدور المنوط بهم، ولا حتى تلك الأدوار التي تقمصوها.
ولأننا في زمن اختلت فيه كثير من القيم الإنسانية والاجتماعية، التي كنا نعتقد بأنها لن تختل، وخرجت كثير من النزاعات خارج محيط الأسرة، أصبحنا بحاجة ماسة لمدونة أو قانون مدني ينظم العلاقات الاجتماعية والأحوال الشخصية بوضوح، دون اجتهادات فقهية من بعض القضاة أو من الجهات التنفيذية، لتصبح حقا محاكمنا مُحكمة الأنظمة وبلا ورق.
حتى إشعار آخر.. ألتقي بكم بعد شهر رمضان. وكل عام وأنتم بخير.