في أول يوم له مع مشرفته والذي صادف أنها عميدة الكلية، أخذ يشرح بحثه لتقاطعه في منتصف الحديث، وتقول: أنتم السعوديين ليس مهما بالنسبة لكم غير شهادة الدكتوراه، الطالب صدم وحاول أن يرد، لكنها لم تترك له فرصة، ورجعت تناقش أمورا أخرى، كأنها تريد أن تقول كان لدي رسالة وأردت إخبارك بها دعنا نكمل المسرحية.
عندما علمت بهذه الحادثة زادت قناعتي حقيقة بأن مشكلتنا ليس في أننا غير مجتهدين، أو أننا لا نعمل كفاية في البحث والدراسة كطلاب سعوديين، ولكن لأننا لا نخبر مجتمع الجامعة بما نفعل، قد تجد طالبا سعوديا نشر خمسة أوراق علمية وزملاؤه في القسم لا يعرفون، لأنه لم يرسل إليهم عمله، ولم يشارك الجامعة في إنجازه، وأبعد نفسه عن مجتمعها البحثي، فلا يحضر مؤتمرات، ولا يشارك في سيمنار، ولا يقدم تجربته تماما عكس طلاب دول أخرى كطلاب الصين الذين يبرر بعض السعوديين حضورهم القوي في الوسط البحثي لأنهم يطمعون في وظيفة في الجامعة، ربما كان ذلك صحيحا إلى حد ما، لكنهم استطاعوا صناعة صورة أقول بيقين إنها مبالغة عن اجتهادهم الذي ربما هو أقل من اجتهاد طلاب سعوديين أعرف ما يفعلونه لأنني أسألهم دائماً عما فعلوه، لكن الكثيرين لن يسألوك مثلي، بل سينتظرون أن تتحدث وتخبر.
لعلي أضيف هنا أن هناك قناعة عند السعوديين أن الحديث عن الإنجاز الشخصي فيه ادعاء وغرور، وهذا خطأ ربما نشأ فينا بسبب ثقافتنا، فنحن نشاهد طالبا أوروبيا يقول في مؤتمر إنه يمضي 12 ساعة يومياً في المكتبة، وآخر يقول أكتب 500 كلمة يومياً ويصفق الحضور، العالم لن يعتبرك مغرورا إذا قلت حقيقة جهودك، بل سيقدرها لك.
في الحقيقة ملحقية لندن بدأت بإجراء جيد، وهو وضع حساب باللغة الإنجليزية لنشر إسهامات الباحثين السعوديين، وهو خطوة قوية وبادرة مختلفة عما عهدناه في السنوات الماضية، لكننا نحتاج إلى ما هو أكثر وأعمق.
وهو تشجيع السعوديين على الظهور في مجتمع الجامعة، ودعم كل طالب يقدم دورة تدريبية، أو ينظم ورشة أو يعمل في مساعدة باحث إلخ من الأعمال داخل الجامعة، وليس للمجتمع السعودي في مدينته مثل ما تفعل الملحقيات الآن.
إن الانطباع المنتشر الآن حول الباحث السعودي يجب أن يصحح لأنه غير حقيقي وظالم، وهذا التصحيح لن يكون مكلفا أبداً، بل ربما يصبح موردا آخر لبلادنا.