عقدت القمة العربية في البحر الميت بالأردن في مارس الماضي مسبوقة بتحولات أميركية لجهة التغيير في الإدارة الأميركية التي تولت مهامها الرئاسية قبل أسابيع من انعقاد القمة العربية في الأردن، مما ساعد على السؤال عن التحولات التي ستحملها القمة العربية القادمة في الرياض 2018، وخصوصا أن القمة العربية في البحر الميت كانت قد اعتبرت حل القضية الفلسطينية هو الأساس في مواجهة كل تحديات المنطقة وفي مقدمتها محاربة الإرهاب. وشهدت القمة العديد من الاجتماعات الثنائية الاستراتيجية بين القادة الكبار، تحضيرا لقمة الرياض العربية 2018.

 الأسبوع الماضي شهدت الرياض قمة غير مسبوقة تابعها العالم بأسره باهتمام كبير. وصدر عن هذه القمة الحدث بيان ختامي أو ما عرف بإعلان الرياض، والذي تحدّث في فقرته الثانية بالنص الحرفي «ثمّن القادة الخطوة الرائدة بإعلان النوايا بتأسيس تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي في مدينة الرياض، والذي ستشارك فيه العديد من الدول للإسهام في تحقيق السلام والأمن في المنطقة والعالم. وسوف يتم استكمال التأسيس وانضمام الدول خلال عام 2018». مما يجعلنا نسأل: ما علاقة القمة العربية في الرياض 2018 بتحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي ومقرّه الرياض العام 2018؟

طبعاً لا نستطيع الجزم في الإجابة على ما سيكون عليه واقع المنطقة العربية والشرق الأوسط في العام 2018، ولكن لا بدّ من الاعتراف لسياسة الحزم وإعادة الأمل التي انتهجت خلال السنوات الماضية في مواجهة الاختراقات والتهديدات، رغم الالتباس الكبير في السياسة الأميركية في المنطقة آنذاك، أي خلال الولاية الثانية للرئيس أوباما، ورغم كل ما قيل ويقال عن الدخول في مواجهة مع إيران في اليمن وعن كلفتها المادية والعسكرية، والتي تبقى أقل بكثير مما لو كانت قد حققت إيران أهدافها وسيطرت على اليمن وأمسكت بمضيق هرمز في الخليج العربي وباب المندب في البحر الأحمر.

إن سياسات الحزم وعودة الأمل والتحول الاستراتيجي، هي التي أسست لقمة «العزم يجمعنا» التي بدأت نتائجها مع الساعات الأولى لمغادرة الرئيس ترامب الرياض، من خلال سياسات إعادة التموضع من هنا وهناك والتي بدأت تظهر بوضوح تام، مما يؤكد أن «قمة العزم يجمعنا» كانت بداية زمن من الأفعال وليست مناسبة لإلقاء الكلمات، كما تعودنا لعقود طوال. وهذا الإنجاز الكبير للقيادة السعودية في التعامل مع التحديات، يحتاج إلى تكامل نخبة وطنية قادرة على تحمل المسؤوليات الجسام، وعلى التكيف مع الصبر الاستراتيجي الذي تفرضه التحولات الكبرى في الاقتصاد والأمن والسياسة والمجتمع.

إن التحولات الاستراتيجية ليست عملية نظرية رغم أهمية البحث النظري لكل عملية تحول مجتمعي، إلا أن النجاح يكون بالقدرة على بلورة النهج القادر على استيعاب المستجدات وتحويلها إلى بديهيات، كما نتابع في بعض مراكز القرار، من خلال إعادة الاعتبار للأسئلة «لماذا؟» و«كيف؟» وغيرهما من أدوات السؤال، وتحويل التكامل من هدف بعيد المنال إلى إرادة ومسار قابل للتحقّق في التنمية والتفكير والاستشراف والتفاعل، عبر الحوار والتحرّر من أسر الموضوعات المستهلكة والعناوين المتكررة، بالإضافة إلى شجاعة المشاركة في التفكير مع كل المكونات المجتمعية، وبتواضع واحترام.

ذلك هو النهج الذي ينادي به الرواد المستشرفون لهول التحديات التي تنتظر أجيالنا الصاعدة كي تحافظ على شخصيتها وخصوصياتها، ولكي تجد مكانها بين الشعوب والأمم. وأن إرادة «العزم يجمعنا» التي تبلورت خلال الأيام الماضية على مستوى القيادات، تحتاج إلى مواكبة من النخب الأكاديمية والإعلامية، وعلى وجه الخصوص أصحاب النجاحات الاقتصادية والاستثمارية، والذين يعرفون العالم الكبير جيداً بكل أبعاده التجارية والثقافية والاجتماعية. وعلى شعوب المنطقة بكل مكوّناتها أن تتحضر لتحولات الرياض الاستراتيجية في الرياض 2018 في القمة العربية، والرياض 2018 في التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط.