كثيرا ما استوقفتني الحديث «إذا دخل رمضان صفدت الشياطين» هل يعني هذا أنها لن تصفد إلا شهرا واحدا من العام وعلى مدار حياتنا، وهل نحن محكومون بالشيطنة بقية الأشهر أين يكمن الشيطان فينا؟ وبعيدا عن تساؤلات كهذه سآخذ معنى الشيطنة والتصفيد على غير المعنى المتعارف عليه للصورة المتخيلة لشياطين تصفد في رمضان ثم بعد انتهائه لا نعلم ما مصير الأمر بالنسبة لنا.
لعل السؤال الأكثر أهمية هنا هو: هل الشيطان شيء خارج أنفسنا؟ أنت وحدك من يقرر. وبما أن الإنسان والكثير من البشر لا يلتفت إلى داخله ولا يغوص عميقا في كيانه، ويظل منشغلا تماما بالعالم الخارجي بكل ما يحويه من مادية ومتعلقات، فإن كل وعيه يكون منصبا للخارج بحيث يستمد منه معناه وسعادته وسلامه، فيظل منهمكا في الاتصال المحسوس بالأشخاص والطعام والمغريات والقوى الهائلة الملونة لنمط الحياة والتي تشده بقوة إلى دائرتها.
إن المعنى العميق لمقولة تصفد الشياطين هو أن نجعل العقل الجامح يتوقف عن الضجيج والأفعال ويصفو ويغذي الروح بكل ما تفتقده الطبيعة الروحية في جوهرها من محبة وعطاء ومسامحة وصلاة، ذلك تماما ما يصفد الشيطان ويوقف جموحه وسعاره المتمثل في الشهوات، والجشع والطمع والغضب والتكبر والبخل، كما أن الصلاة الظاهرة التي يقوم بها الجسد لمجرد حركة جسد ليست هي ذاتها الصلاة المطمئنة التي تقوم على الصلة بالله والتي تغذي الروح وتوقف جموح الشيطان بداخل النفس. إن التوقف لأخذ هذه المعاني وأضدادها على محمل الجد سيأخذك إلى جوهر الصوم في روحانيته العميقة.
إن الاحتفاءات الرمضانية إن كانت ظاهرية ومادية ستتخذ مسارا خاطئا وتأخذنا خارج أنفسنا وهي مظاهر تمكنت وسادت على مجريات الحياة اليومية الرمضانية ومع التحول للمظهر وليس المعنى سيغيب ويُنسى الجوهر الروحي لمعنى الصيام والرمضان. ولا يعود هناك فارق بين المظاهر المادية والطقوسية وبين الصلة الجوهرية للصوم، مما يجعل المعنى فاقدا لجوهره وقيمته. وهذا الفهم للفارق في المعنى يجعلنا نستقبل ونمضي رمضان بسلام واطمئنان ونحافظ على المعنى العظيم لحالة الصيام. ها هو يأتي رمضان الشهر الروحاني بمعناه العميق المتمثل في أن يعود الإنسان إلى أعماقه وداخله ويتواصل مع الله بعلاقة صلة لا اتصال، ولكن كم من الناس يبقى على هذا المعنى أو ذاك وكم من الناس يمضي مع المعنى السطحي ويفقد تواصله مع السلام الداخلي والسمو الروحي، من هنا يأتي معنى الصراع مع الشيطان.
إنه إذا لم تتمكن من تحويل تعلقاتك ورغباتك إلى محبة، وتحويل غضبك وكراهيتك إلى سلام وغفران وتحويل أطماعك وجشعك إلى عطاء وبذل فتأكد أن الشيطان موجود داخلك في هيئة كل هذه الصفات، وأنك بالتأكيد لست على طريق الروحية، ولا على طريق الصيام، وأنك ضللت الطريقة والطريق، وهذا هو المعنى اللغوي لكلمة «شيطان»، أي شاط وضل الطريق. وكل عام وأنتم بسلام ورحمة.