عندما تسمع شخصا يسأل عن دم البعوضة بداعي الورع، وخشية الإثم، ثم تراه لا يأبه بمن يخوض في دماء المسلمين، ويدعو إلى تكفيرهم وقتالهم، فإنك لا تشك حينئذٍ طرفة عين أنك تسمع لشخصٍ مختل الشعور، مغيب العقل، أو لشخصٍ مأجور ينفِّذ أجندة سياسية طائفية، وهذا هو تماما حال أدوات النظام الإيراني الصفوي، من بعض بني جلدتنا، الذين يرون نظام الملالي وأسلافه الذين مضوا، يكفِّرون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسفكون دماء المسلمين، ويحكمون بتكفير كل من أحب أبابكر وعمر، وهذا- كما ترى- تكفير صريح لجميع المسلمين، لأن كل المسلمين يحبون أبابكر وعمر رضي الله عنهما، وليكون كلامي دقيقا وموثقا أنقل ما قالوه من كتبهم هم، لا من كتب خصومهم، يقول شيخهم المجلسي في بحار الأنوار 69/‏138 (أبوبكر وعمر كافران، كافر من أحبهما)، ومن أجل هذا الحقد الدفين على صاحبي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خصصوا دعاء عليهما، يرونه شرط دخول الإسلام، أسموه الدعاء على صنمي قريش أبي بكر وعمر، وقد نص على ذلك شيخهم المرعشي في كتابه إحقاق الحق 1/‏97، وأما أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أحب النساء إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، والتي أثنى الله عليها وبرأها من فوق سبع سماوات، وأنزل فيها قرآنا يُتلى، فإن ملالي النظام الإيراني الهالك يسمونها (أم الشرور)، وقد أفرد شيخهم النباطي في كتابه الصراط 161/‏3 فصلا قال فيه (فصل في: أم الشرور عائشة بنت أبي بكر)، ويتوارثون الكراهية والحقد على قوم حطوا رحالهم في الجنة، بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيرون أن من لا يجد في قلبه عداوة لعثمان رضي الله عنه يرونه كافرا، وبهذا يكفِّرون جميع المسلمين، لأن جميع المسلمين يحبون عثمان رضي الله عنه، جاء في كتابهم اللاهوت 140 ما نصه (من لم يجد في قلبه عداوة لعثمان، ولم يستحل عرضه، ولم يعتقد كفره، فهو عدو لله ورسوله، كافر بما أنزل الله)، بل ويرون أنهم لا يجتمعون مع أهل الإسلام في رب ولا نبي، يقول شيخهم نعمة الله الجزائري في كتابه بحار الأنوار279/‏2 (إنا لا نجتمع معهم -أي مع المسلمين- على إله ولا على نبي ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربهم هو الذي كان محمد نبيه، وخليفته من بعده أبوبكر، ونحن لا نقول بهذا الرب، ولا بذلك النبي، بل نقول: إن الرب الذي خليفة نبيه أبوبكر ليس ربنا، ولا ذلك النبي نبينا)، فهم -كما ترى في نص كلامهم- شيء آخر، لا علاقة لهم بالإسلام والمسلمين، بل ولا يجتمعون مع أهل الإسلام في إله، ولا نبي، وهذا ما يسيء الظن بأي حركة أو جماعة تنسب نفسها للإسلام، ثم تميل إلى ملالي نظام إيران، وتواليهم، وتتخذهم بطانة من دون المؤمنين، وتُحسِن الظن بهم، وكيف يُحْسَن الظن بمن يَتَّهِم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفشل في أداء الرسالة، يقول شيخهم الخميني في خطابه في 15 شعبان 1400 (لقد جاء الأنبياء جميعا من أجل إرساء قواعد العدالة، لكنهم لم ينجحوا، حتى النبي محمد خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية، لم ينجح في ذلك، وإن الشخص الذي سينجح في ذلك هو المهدي المنتظر).

هذه الجنايات العظيمة على الشريعة، وهذا التطاول على رب العالمين، واتهام سيد المرسلين، وتكفير جميع المسلمين، يراه بعض من ينسبون أنفسهم للعلم والبحث والتحقيق من أدوات نظام إيران، ممن هم من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ثم لا ينبسون ببنت شفة، ولا يدينون هذه المقولات الكاذبة الخاطئة، وإنما يبحثون في كتب أئمة الدعوة في هذه البلاد السعودية، لعلهم يجدون ما يُشَوِّشُون به، فلما لم يجدوا إلا كلاما فيه تعظيم لرب العالمين، واقتداء بسيد المرسلين، ودعوة للتوحيد الخالص، صاروا يتتبعون المتشابه من كلام أئمة الدعوة، كما هو دأب الذين في قلوبهم زيغ، لعلهم يجدون ما يشوشون به، فصاروا يقطعون الكلام عن سياقه وواقعه، أو ينقلون جواب عالم من علماء الدعوة، بشأن تكفير مقالةٍ أو شخصٍ أو أهل جهة، فيطيرون بذلك كل مطير، مع أنهم لم يطلعوا على السؤال الذي أفتى بموجبه ذلك العالم، ولم يعرفوا الواقع الذي تكلم فيه العالم، والتكفير حكم شرعي، يطبقه القضاة والعلماء الراسخون وفق انطباق الشروط، وانتفاء الموانع، نعم قد يخطئ القاضي أو العالم، بسبب عدم دقة ما عُرِض عليه في السؤال، ومعلوم أن الحاكم إنما يحكم بنحوٍ مما يسمع، فيَرُد عليه العلماء حينئذٍ إن أخطأ، وقد يكون مصيبا، لأننا لم نُشاهد ذلك الواقع، فهي إذًا وقائع لأحداث مضت وانتهت لم نعاصرها، ولم نقف على وقائعها، فما الداعي لإثارتها بهوى وانتقائية؟

وإني هنا أتساءل: هل يجرؤ متبعو المتشابه في كلام علماء الدعوة وأئمتها على نقد مقولات النظام الإيراني، وأسلافه الذين مضوا، في تكفيرهم لجميع المسلمين؟

أم أن ذلك دونه خرط القتاد؟ لكون إمكاناتهم محصورة على تنفيذ ما أُمروا به من تتبعٍ للمتشابه من كلام علماء الدعوة في بلادنا، بعد قطعه من سياقه وواقعه، ابتغاء الفتنة والإثارة، ومن المستفيد من ذلك؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟ هل هو مصادفة أم أن وراء الأكَمَةِ ما وراءها؟ ومن كان بيته من زجاج كيف يرمي الناس بالحجر؟!