شهدت الرياض في مطلع الأسبوع الجاري ثلاث قمم شديدة الأهمية، الأولى بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، والثانية قمة دول مجلس التعاون الخليجي مع الولايات المتحدة الأميركية، والثالثة هي القمة الإسلامية-الأميركية، بين الرئيس الأميركي وقادة الدول الإسلامية.

وكان المحور الإيراني هو الأبرز في كلمتَي العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الأميركي دونالد ترامب، وانعكس كذلك في البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية-الأميركية.

ولعل السؤال الأهم لدى كثيرين هو: لماذا صعَّدت السعودية لهجتها ضدّ إيران خلال الأشهر القليلة الماضية؟

الإجابة عن هذا السؤال وردت في طيات كلمة الملك سلمان عندما قال: «وقد ظنّ النظام في إيران صمتَنا ضعفًا، وحِكمتَنا تراجُعًا، حتى فاض بنا الكيل من ممارساته العدوانية وتدخُّلاته، كما شاهدنا في اليمن وغيرها من دول المنطقة. نقول ذلك ونحن نؤكّد في الوقت ذاته ما يحظى به الشعب الإيراني لدينا من التقدير والاحترام، فنحن لا نأخذ شعبًا بجريرة نظامه».

خلال السنوات القليلة الماضية شعرت إيران بحالة من النشوة وانفتحت شهيتها لمزيد من التدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية، مدفوعة بحبوب فتح الشهية التي قدّمها لها مجَّانًا الرئيس الأميركي باراك أوباما طوال فترة رئاسته، ورفع الجرعة بشكل كبير بعد الاتِّفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1. فإذا كانت الجرعات الزائدة من المخدِّرات تقتل صاحبها، فإن جرعات فتح الشهية الأوبامية قد أدّت إلى حالة إيرانية متوحشة، كان لزامًا على دول المنطقة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التصدي لها، وقد بدأ ردّ الفعل السعودي قبل عامين من خلال انطلاق عمليات عاصفة الحزم وإعادة الأمل، إلا أن النظام الإيراني استمرّ في سلوكه العدائي ورفع وتيرة دعمه للميلشيات الإرهابية.

وفي واشنطن جاءت إدارة جديدة مختلفة في توجُّهاتها عن الإدارة السابقة، في ما يتعلق بالنهج الإيراني في المنطقة وسياستها المتطرفة. ولعلّ هذا يتضح في إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تحقيق السلام في الشرق الأوسط عبر الشراكة الأميركية مع العرب وغير العرب، وذلك من خلال قوله في القمة التي عُقدت في الرياض الأحد «لا نقاش حول القضاء على هذا التهديد بالكامل دون إشارةٍ إلى الحكومة التي تعطي الإرهابيين الملاذ الآمن، والدعم المالي، والمكانة الاجتماعية اللازمة للتجنيد. إنه نظام مسؤول عن عدم الاستقرار في المنطقة. أنا أتكلم عن إيران. إنها حكومة تتحدث صراحة عن القتل الجماعي، وتتعهد بتدمير إسرائيل، والموت لأميركا، والخراب لكثير من القادة والأمم في هذه القاعة. من لبنان إلى العراق إلى اليمن تموّل إيران وتسلّح وتدرّب الإرهابيين والميليشيات والجماعات المتطرفة الأخرى التي تنشر الدمار والفوضى في المنطقة. على مدى عقود، غذّت إيران حرائق الصراع الطائفي والإرهاب».

وليست التصريحات بمعزل عن تصريحاته فور زيارته لإسرائيل، مساء الإثنين، حيث قال في كلمة قصيرة «أمامنا فرصة نادرة لتحقيق الأمن والاستقرار وإحلال السلام للمنطقة وسكانها، من خلال هزيمة الإرهاب وخلق مستقبل انسجام وازدهار وسلام، لكن ذلك لا يمكن تحقيقه إلا بالعمل معًا. لا يوجد طريق آخر».

ترامب صرّح بوضوح بأنه سيعمل على شراكة مع مراكز الأديان السماوية الثلاثة، السعودية (الإسلام)، وإسرائيل (اليهودية)، والفاتيكان (المسيحية)، لمواجهة الإرهاب ودحره وتجفيف منابعه، ماديَّةً وفكريَّةً.

الرياض بدورها رأت أنها تحتاج إلى لغة أكثر صراحة ومباشرة في تعاملها مع العدائية الإيرانية، وهذا ما بدأه سموُّ ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مقابلته التلفزيونية الأخيرة عندما تحدث عن طبيعة المشكلة مع إيران، وأنها تعتمد في سياستها الخارجية على إيديولوجيا ترتكز على نشر الدمار والخراب، وعلى التوسُّع لتمهيد الطريق وخلق البيئة المناسبة لظهور المهدي المنتظَر، أو ما يسمى في الأدبيات الإيرانية «الإمام الغائب».

واستكمالًا لهذه اللغة السعودية الواضحة والصريحة والموقف الجليّ للقيادة السعودية من المشروع التوسُّعي الإيراني، وموقف الرياض من الإرهاب والطائفية في المنطقة، وتأكيدها ضرورة تكاتف الجهود العربية والإسلامية والعالمية للقضاء على هذين الخطرين الداهمين، جاءت القمة السعودية-الأميركية، ثم القمة الخليجية الأميركية، واختُتمت القمم بالقمة العربية الإسلامية-الأميركية. وجميع هذه القمم الثلاث أكّدت ضرورة التصدِّي للسلوك العدائي الإيراني ومحاصرته ومعاقبة طهران لنقضها اتِّفاقية فيينا لحماية البعثات الدبلوماسية، كما أكَّدَت القمة على ضرورة وقف الإمداد الإيراني للميليشيات والجماعات الإرهابية بالمال والسلاح، وتَقرَّر تشكيل قوة عسكرية قوامها 34 ألف عنصر تحت مسمى «قوة احتياط للتحالف الإسلامي العسكري»، ويكون ذلك بحلول عام 2018.

لقد وصلت السعودية في خطابها للجانب الإيراني إلى مرحلة عالية في الشفافية والوضوح، ووضع اليد على موضع الإشكالية في العلاقة مع طهران، وهي بذلك ترمي الكرة في الملعب الإيراني، فإذا كانت طهران ترغب في التعايش مع محيطها العربي فعليها التخلِّي عن مشاريعها التوسُّعية واستخدام الأذرع التخريبية والبدء في مرحلة من التعايش السلمي مع الجوار، فالأحلام الإمبريالية لن تتحقق، والتوجُّهات الطائفية لن تُقبل، ودعم الإرهاب والترويج له خطّ أحمر لا تساهل ولا تسامح معه.