كثيرا ما يسألني الأصدقاء عن سبب عزوفي في كتاباتي عن التطرق إلى الحروب والقلاقل القائمة في بعض الدول العربية وما خلفته الصراعات السياسية الأخيرة في عدد منها خلال السنوات الأخيرة. وكان ردي الدائم؛ أنني ببساطة لا أشعر بتفاؤل من أي نوع على الإطلاق، في الوصول لحلول لكل هذه الأنهار من الدماء ولكل هذه البشاعات والقسوة والشناعة. وأن شعوري بالإذلال ليس له حدود، لذلك قررت ألا أهدر وقتي وصحتي من أجل متابعة ما يؤلم، وأنني قررت أن أحاول القيام بمهامي تجاه الأطفال الذين بين يدي لعلي أزرع فيهم بذور المستقبل المحترم الواثق، وأجنبهم قدر المستطاع مشاهدة قنوات الأخبار ومشاهدها البشعة، وأخبارها التي لا تدعم أي شيء سوى اليأس.

فقد رأيت في العراق ما يندى له الجبين من قبح السياسة، وبكيت مما رأيت في الأزمة السورية. شاهدت الرجال يُذبحون بالمناشير الكهربائية، والأطفال تتحطم عظامهم تحت المجنزرات، والنساء تُهتك أعراضهن. وقد سئمت من مسلسل القتل والتشريد والحلول المؤقتة والخطابات المطاطية للساسة حول العالم، والعرب خصوصا. هذه مقدمة سريعة لمشهد لوحة مظلم وكبير جدا تمر به الأمة العربية.. فلماذا إذن أعود وأكتب الآن؟

أكتب لأنني بدأت أستشرف ضوءا في آخر النفق بعد اجتماعات قمم الرياض مطلع هذا الأسبوع. ولأول مرة منذ أن عرفت القمم العربية والإسلامية أشعر بتفاؤل كبير في تغيير شكل الواقع العربي والإسلامي أخيرا بشكل مهم يعكس حجم الطموحات التي يأملها أي عربي ومسلم في الوقت الراهن، وأرى عمليا قرارا حازما يستشرف مستقبل هذه الأمة الكبيرة المترامية الأطراف، ويعيد إليها التوازن الذي فقدته منذ سنوات.

ولن أبالغ إذا قلت إننا فعلا على مفترق طرق تاريخي تقوده المملكة العربية السعودية للأمتين العربية والإسلامية، فالتاريخ لا تبنيه ولا تؤثر في دفاتره سوى القرارات الحازمة التي لا تقبل أنصاف الحلول أو التأجيل.

إن أهم نقطة لاتخاذ القرارات ترتكز على رؤية مشهد الصورة لأي شيء كان من كل جوانبها، لتتمكن من وضع حلول قطعية على ضوئها تعيد ترتيب الأوراق التي خلطتها حوادث الأيام، وقد جمعت السعودية بملكها الحازم سلمان بن عبدالعزيز قطع الصورة المتناثرة ووضعتها على الطاولة الدولية لإيجاد حلول قطعية لا عودة عنها، مصرة بذلك على أن يحسم قرار وضوحها قبل القيام من على الطاولة، وهذا يعود إلى قوة القيادة التي تبحث في عمق الأزمات وليس قشورها. والمتأمل في حجم الحشد الذي تمت دعوته للمشاركة بفعالية في القمم الثلاث التي عقدت مع القوة العظمى الأولى في العالم، يدرك أن أمر المضي قدما في الانتهاء من منغصات الإرهاب وإيقاف الحروب في منطقة الشرق الأوسط لا عودة عنه.

لقد أرست المملكة في يومين فقط بسياستها والاتفاقيات الموقعة مع أميركا أسس واستراتيجية القرن الـ21 لها وللمنطقة برمتها، مؤكدة عزمها على المضي بعيدا في الاتجاه الذي يهتم بالقوة بمختلف أنواعها، عسكريا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا، من خلال صفقات نوعية ذكية لتسد حاجتها من الأسلحة التي تحمي بها البلاد من الطامعين من حولها، وعقودا صناعية ستوفر عشرات الآلاف من الوظائف، وغيرها من الاتفاقيات الثقافية المشتركة، ولتقطع أيضا ألسنة الساخرين من أبواق التيارات الحاقدة.

لم يكن أمام رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترمب في كلمته إلا تقديم الشكر لخادم الحرمين الشريفين على استثمار الجهود المادية وغيرها لبناء منطقة الشرق الأوسط وليس المملكة فقط.

سرني أن الجميع قد أبدى في قمم الرياض تصميما هائلا على القضاء على أصول ومنابع الشر والإرهاب في الشرق الأوسط والعالم، وتحييد الدول الراعية له كإيران، والذهاب إلى نقطة التقدم والأمن والتعايش.

السعودية اليوم تعيد صياغة مفهوم الدولة وتعيد معه صياغة هيكلها داخليا وخارجيا، من خلال تأكيدها على أهمية الأوطان باعتبارها حامية لأمتها، ومسؤولة عن شعبها في أي مكان على الأرض. وهي بذلك تقدم أنموذج مراحل الدولة التي ذكرها ابن خلدون، لتعود إلى بناء الدولة إلى المرحلة الأولى التي تتمثل في القوة والمنعة، باتجاه مستقبل يحاكي متغيرات ومتطلبات الزمن، لاستثمار مرحلة الاستقراء، وصولا إلى مرحلة البناء والتنمية.

وقد فرضت الأحداث الحالية في العالم والشرق الأوسط تحديدا، تقديم وجه جديد للمملكة يقوم في مضمونه على التطلعات والقرارات الحاسمة للتغيير، وعكس ذلك بوضوح تام، رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020. هذا الأنموذج السياسي الذي تقدمه القيادة السعودية للعالم، درس مهم لكل قائد وسياسي أهمل قراءة واقع شعبه وأمته.