يُعَّرف المحتوى المحلي بالقيمة المضافة الحقيقية التي ترافق التصنيع لترفع من نسبة مساهمة الأنشطة الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي، سواء كان ذلك من خلال جذب الاستثمارات ونقل التقنية، أو توطين الوظائف، أو إحلال الواردات وزيادة الصادرات. ونظرا لأن النظام التجاري العالمي يحث دول العالم على الاستفادة القصوى من مزاياها التنافسية لتنويع مصادر دخلها وزيادة صادراتها، تبنت هذه الدول مبدأ المحتوى المحلي منذ عقود طويلة لتفي بمتطلبات التنمية وتعزيز قدراتها التنافسية، فأصبح المحتوى المحلي هدفا استراتيجيا في الصناعة والزراعة والخدمات وتقنية المعلومات لتأسيس القدرة المعرفية ذات القيمة المضافة العالية.

في تقريرها الأخير لعام 2016 كشفت منظمة التجارة العالمية أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي فاقت 1.52 تريليون دولار أميركي، حيث جذبت الدول المتقدمة 57% من هذه الاستثمارات، لتحتل أميركا المرتبة الأولى بمقدار 385 مليار دولار، تبعتها بريطانيا بقيمة 179 مليار دولار، بينما جاءت الصين في المرتبة الثالثة بقيمة 139 مليار دولار. وأوضحت المنظمة في تقريرها أن مزايا الاستثمار الأجنبي المباشر في الدولة المضيفة لا يقتصر فقط على ضخ الأموال ونقل التقنية، بل يسهم أيضا في مضاعفة النمو الاقتصادي وزيادة المحتوى المحلي، ورفع وتيرة الصادرات كما حصل في الصين التي زادت صادراتها بعد انضمامها للنظام التجاري العالمي من 12% في عام 1990 إلى 30% في عام 2016، وذلك نتيجة لاستراتيجية التصنيع من أجل التوطين والتصدير.

من هذا المنطلق أقرت المملكة وثيقة برنامج التحول الوطني 2020 في العام الماضي، الهادفة إلى زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة للمملكة بنسبة 133.3% خلال السنوات الثلاث القادمة، ورفع قيمة فرص الاستثمار الإجمالية إلى 2300 مليار ريال، مما سيرفع نسبته إلى 200% من الناتج المحلي الإجمالي. لذا تسعى الهيئة العامة للاستثمار اليوم إلى رفع ترتيب المملكة في تقرير التنافسية العالمي من المركز الـ25 إلى المرتبة الـ20، ومضاعفة نسبة المحتوى المحلي من 20% إلى 40%.

هذه الأهداف جاءت لتتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030 لرفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16% إلى 50% على الأقل من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وزيادة نسبة المحتوى المحلي من 40% إلى 75% في قطاع النفط والغاز، وإلى 50% في قطاع الصناعات العسكرية.

ولكون الاستثمارات الأجنبية في المملكة تنقسم اليوم إلى ثلاثة أنواع، أولها الاستثمارات المالية المباشرة، تليها الاستثمارات في حقوق الملكية وأسهم صناديق الاستثمار وسندات الدين العام، وثالثها الاستثمارات الأخرى في القروض والودائع والحسابات مستحقة الدفع، فلقد سجل مجموع هذه الاستثمارات بالمملكة في نهاية عام 2016 نحو 1.28 تريليون ريال، مرتفعا بنسبة 12% مقارنة بحوالي 1.14 تريليون ريال بنهاية عام 2015.

ولتعزيز المحتوى المحلي بادرت المملكة في الأسبوع الماضي بإنشاء شركة الصناعات العسكرية لزيادة القيمة المضافة لحوالي 250 مليار ريال من مشتريات الأسلحة من 2% إلى 50% خلال العقد القادم، وأعلنت وزارة الصحة في الشهر الماضي برنامج زيادة المحتوى المحلي في صناعة الأدوية إلى 10% سنويا. كما قامت شركة أرامكو السعودية بتأسيس برنامج «اكتفاء» لتعزيز القيمة المضافة في قطاع مشتريات الشركة، حيث سجل البرنامج خلال الأشهر السبعة الأولى مستويات غير مسبوقة في المحتوى المحلي فاقت 60 مليار ريال. ومن المتعارف عليه أن قيمة الإنفاق التقديري للشركة سيبلغ أكثر من تريليون و400 مليار ريال على مدى السنوات العشر المقبلة، مما يؤهل البرنامج ليكون الأمثل في تطبيق مبدأ المحتوى المحلي.

وفي الأسبوع الماضي أعلنت شركة سابك أهدافها الرامية لتنمية قطاعاتها المحلية، حيث تمكنت من زيادة إجمالي قيمة شراء المواد المصنعة المحلية لعام 2016 لتصل إلى 2.6 مليار ريال سعودي بما يعادل 35% من إجمالي مشتريات مواد الشركة للعام نفسه، الذي يعادل زيادة بمقدار 143% منذ انطلاق نشاطات الشركة في تطوير المحتوى الصناعي المحلي. كما بلغ إجمالي قيمة عقود الخدمات المحلية في الشركة لعام 2016 ما مقداره 7.8 مليارات ريال سعودي، مما يشكل نسبة 86% من إجمالي مشتريات الخدمات في الشركة، وبذلك ترتفع قيمة الشراء المحلي للمواد والخدمات إلى 10.4 مليارات ريال سعودي لعام 2016، التي تعادل 64% من المشتريات السنوية للشركة.

وعندما أخذت المملكة على عاتقها مضاعفة جهودها لرفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي من المستوى الراهن 3.8% إلى المعدل العالمي 5.7%، جاء ذلك بالتزامن مع زيادة قيمة أصول صندوق الاستثمارات العامة من 600 مليار ريال إلى ما يزيد على 7 تريليونات ريال، وذلك بعد أن ارتفعت استثماراته الخارجية بنسبة 103% في العام الحالي لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ عام 1996.

وتأتي هذه الاستراتيجية لتواكب دور الصندوق مع رؤية 2030 في تمويل المشاريع الاستراتيجية للاقتصاد السعودي، وجعله أكبر صندوق سيادي في العالم، خاصة بعد قيامه خلال الربع الأخير من 2016 بالاستثمار في رأسمال مجموعة «سوفت بنك» اليابانية، الذي يصل إلى 100 مليار دولار أميركي، لإنشاء صندوق استثماري يهدف إلى التوسع في المجال التقني حول العالم، إلى جانب تدشين أكبر منصة للتجارة الإلكترونية في العالم العربي باسم «نون.كوم» بالتعاون مع مجموعة من المستثمرين، لتقدم 20 مليون منتج للجمهور باستثمارات قدرها 20 مليار دولار.

وهذه الجهود تصب جميعها في زيادة المحتوى المحلي والتصنيع من أجل التوطين.