الخطوط الجوية العربية السعودية "السعودية" اختصاراً، هذا الاسم الذي حفر له مكانة مرموقة جاءت من مكانة الوطن ومن منافستها بجدارة بين شركات الطيران العالمية حتى أصبحت شركة يشار إليها بالبنان وفي رأس قائمة أفضل شركات الطيران في العالم.. أذكر أن الكثير من السعوديين وغيرهم كانت "السعودية" ناقلهم المفضل. وأذكر أيضاً أنه حتى بعض الأمريكيين والأوروبيين كانوا يفضلون "السعودية" على شركات طيران بلدانهم وشركات طيران عالمية أخرى لما كانت تتمتع به من أسطول طائرات حديث وخدمات متميزة وفوق هذا اهتمام لافت بالصيانة.. هذا التميز الذي حققته "السعودية" لم يأت من فراغ بل إنه جاء نتيجة لدعم الدولة للناقل الرسمي لها ولحرص المؤسسة في تطوير خدماتها الجوية والأرضية والاهتمام باستقطاب الكفاءات البشرية المؤهلة.
كل هذا كان في الماضي، أما اليوم فـ"السعودية" للأسف الشديد تجهض إنجازاتها، بل هي اليوم تجهض إنجازات وطن، ولعل ما حدث مع بعض حجاج هذا العام الذين عانوا معاناة كبيرة وعاشوا أياما قاسية وتحملوا أتعاب مريرة، يعد آخر الإخفاقات.
أعتقد أن "السعودية" بمثل هذه المواقف تجهض كل الإنجازات الهائلة التي تحققت وتحدث عنها العالم في موسم حج هذا العام. فهل "السعودية" اليوم تنافس على المراكز المتأخرة؟. وأياً كان السبب أو كانت الأسباب فإن هذا المستوى الذي آلت إليه غير مقبول على الإطلاق لأنه أصبح يضر بإنجازات وطن.
فإذا كانت الشركة "خسرانة" فإنه يجب أن تطلب الدعم من الدولة لأنها ناقلها الرسمي وتحمل اسم الوطن، وإن كان السبب أنها تعاني من سوء إدارة وهذا الأقرب ـ في تقديري ـ فلا يجب أن يكون هذا في مؤسسة عريقة مثل "السعودية"، لها تاريخها واسمها وسمعتها وهي أيضاً مقبلة على الخصصة.
مرت فترة، كانت تعاني فيها "السعودية" من خروج عدد كبير من طائراتها من الخدمة أدى إلى تراجع خدماتها وأثر على سمعتها كناقل متميز ومنافس بسبب خلل الإدارة والتخطيط.. حيث كان يمكن تلافي ذلك لو أن هناك رؤية مستقبلية واضحة وخطة استراتيجية محددة، ولكن هذا القصور وعلى الرغم من أهميته إلا أنه يمكن إصلاحه بشراء طائرات جديدة وتعزيز أسطولها، وهذا ما بدأنا نلمسه في الفترة الأخيرة.
المشكلة الرئيسية في تراجع "السعودية" هو ضعف مستوى الكوادر البشرية، وهذا هو الأهم لأنه يحتاج إلى تكاليف باهظة، ويحتاج إلى وقت طويل لتحقيقه. نعم ضعف الكفاءات البشرية وهو ملموس من قبل الجميع على مستوى خدمات "السعودية" الجوية والأرضية وما عليك إلا أن تقف أمام أي كاونتر لها في مكاتب الحجوزات أو في المطارات وترى العجب العجاب، وإذا كنت على متن إحدى الطائرات فانظر إلى مستوى الخدمة المتواضع جداً من العاملين على متن الطائرات، ولا أعلم ماذا يحدث داخل قمرة الطائرة.
لقد حاولت عدة مرات أن أقارن بين مستوى خدمات "السعودية" وخدمات شركات طيران عالمية فوجدت أن بعض شركات الطيران عمرها لا يتجاوز نصف عمر "السعودية" إلا أن هناك بونا شاسعا وفرقا كبيرا، بالتأكيد ليس لصالح "السعودية".
إضافة إلى السبب الرئيس في تراجع خدمات "السعودية" فإن هناك أسبابا أخرى منها:
• عدم القدرة على استقطاب الموارد البشرية المؤهلة من داخل المؤسسة أو خارجها، وهذا يعود إلى ضعف المرتبات ومحدودية المميزات وغياب الحوافز التي تقدمها "السعودية" مقارنةً بشركات الطيران العالمية الأخرى، وأيضاً ربما لغياب المعايير الصارمة في اختيار موظفيها والمعايير الجادة في قياس مستوى أدائهم والرقابة عليهم حتى لا تحدث تجاوزات.
• غياب برامج التدريب والتطوير للموظفين والموظفات وعدم خضوعها لمعايير الجودة العالمية مقارنة بما كانت عليه "السعودية" في السابق حيث كانت أنموذجا للسعودة ومدرسة لأخلاقيات المهنة وأسلوبا للإدارة الحديثة.
اليوم مطلوب أن تتدخل الجهات المسؤولة لإصلاح الوضع الراهن للخطوط السعودية لأنها إحدى مكتسبات الدولة، وهي اليوم للأسف الشديد ـ في تقديري ـ أصبحت تضر بمصالح الدولة والوطن ومنجزاته.