المتأمل في حال عدد من خطبائنا المتوزعين على قرابة 15 ألف جامع على أنحاء المملكة اليوم يجد أن الخطابة بالنسبة لبعضهم لا تعدو على أن تكون وظيفة يتقاضى عليها مرتبا أو روتينا يؤديه عادة؛ وتجد محتوى ما يقدمه عدد آخر منهم كلمات انتسخها من أحد المصادر المعلوماتية على علاتها دون تحقق من صحيحها وخطئها، وغالبا ما تجدها عند مجموعة ثالثة طويلة مملة لا يستنتج منها السامع جملة تطبيقية واحدة، بل أحيانا تجدها خطبة مكررة.. ناهيك عن أن يكون محتواها تحريضيا أو مخالفا لمنهج الاعتدال الذي تقوم عليه الدولة، وللرائي أن يقرأ ردة فعل المستمعين في وجوههم النائمة وجلساتهم المترنحة.. إن الناظر في هدي خير المرسلين والمطلع على خطبه وكلماته التي كان يلقيها على الناس ليجد البون الشاسع، فخطبة الوداع مثلا وصلتنا كاملة وافية، وعندما تقرأها لا يأخذ الأمر منه أكثر من سبع دقائق.. وفي محتواها تجدها ملامسة لواقع الناس وحياتهم وما يهمهم.. كلمات معدودة لكنها كانت بليغة وموجزة ومباشرة وكأن كل كلمة تطرق موضوعا يخص المئات من المستمعين.
ما أجمل أن يقتدي خطباؤنا برسولهم الكريم وينظروا فيما كان يقول ويخطب وعن ماذا كان يتحدث وكيف! وما أجدر الجهات المعنية بأن تتبنى مشروعا كأكاديمية للخطباء مثلا ينهض بخطبائنا لتنهض أمتنا تبعا لذلك.. ولتخضعهم لدورات مكثفة ليس في فن الخطابة فحسب؛ بل أيضا في كيفية ملامسة هموم الناس وتناولها، واحترام النظام والالتزام بالأخلاق والآداب، وما أحوج أن يتابع هؤلاء الخطباء من قبل هذه الجهة المعنية ويعمل لهم تقييم أسبوعي ودرجة للإجازة من عدمها، وليوضع للمتميز ثواب وللمخالف عقاب.. ولا مانع من جعل رواتبهم مجزية ليست (مكافآت)! ولتكن بصحبة سكن أو بدل سكن كحال بعض الوظائف الرسمية.. ما أجدرنا بتبني ذلك، فأمتنا ووطننا وعقول أبنائنا وأفكارهم وما يترتب عليها كل ذلك يستحق منا ذلك وأكثر.