سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى طمس النكبة، بل وقوننة عملية الطمس عبر سن الكنيست في 22 /3 /2011 قانوناً سمي «قانون النكبة»، يخوّل وزير المالية بخفض التمويل أو الدعم الذي يمنح للمؤسسات التي تتلقى تمويلاً حكومياً، في حال قيام المؤسسة بنشاط يعارض تعريف دولة إسرائيل كدولة «يهودية وديمقراطية»، أو نشاط يعتبر يوم «استقلال إسرائيل أو يوم إقامة الدولة كيوم حداد».
وجدد القانون المذكور النقاشات الإسرائيلية التي تمحورت حول الرواية الحقيقية للنكبة، وتبنت جمعية «زوخروت» (ذاكرات) مهمة كشف المستور من مجريات النكبة الفلسطينية. وقد ظهرت النواة الأولى لهذه الجمعية في عام 2002، على يد مجموعة من الناشطين اليهود، وأخذت تشارك بنشاطات متعددة، وتعيد ذكرى النكبة وما حل بالشعب الفلسطيني إلى ذاكرة اليهود الذين في غالبيتهم لا يعرفون شيئاً عن النكبة.
وتحت عنوان «من نحن؟»، نشر موقع «ذاكرات» مقدمة ابتدأت بالإجابة عن سؤال؛ «لماذا ذاكرات»؟.. وجاء في هذه المقدمة: لقد أسّست أحداث 1948 للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويمكن اعتبارها ساعة الصفر السابقة له. وحوّلت النكبة غالبية سكّان البلاد الفلسطينيين إلى لاجئين، وتمّ تدمير معظم بلداتهم. وقامت دولة إسرائيل من داخل الحلم والمخطّط الصهيونيين بتأسيس سيادة يهودية حصرية في فلسطين، «أرض إسرائيل» في عُرفها. وأسست النكبة لعلاقات قمع الفلسطينيين من قبل اليهود في إسرائيل، وهي تتجلى منذ ذلك الحين بأشكال شتّى، بحيث إنه لا يمكن فهم الصراع المستمرّ من غير التطرّق إلى أحداث تلك الفترة. على الرغم من ذلك، فإن اليهود في إسرائيل قلّما يتعاطون مع المأساة التي حلّت على الفلسطينيين في عام 1948، لا من الناحية الإنسانية ولا من ناحية مسؤولية اليهود في إسرائيل عن حصّتهم في النكبة. فهذا الحدث المؤسّس يُنظر إليه على أنه تعبير عن رغبة العرب في البلاد وفي الشرق الأوسط بطرد اليهود، مما أدّى إلى حرب دفاعية يهودية، انتصر في نهايتها اليهود، ودفع الطرف الفلسطيني المهزوم ما يستحقّه. وإن مواصلة تجاهل اليهود للنكبة الفلسطينية وخصوصاً تحمل المسؤولية عن حصتهم فيها، تشكل أحد العناصر الأساسية لاستمرار الصراع العنيف الذي يؤدّي إلى معاناة للفلسطينيين أساساً، ولكن يشوّش أمن وحياة اليهود في البلاد، أيضاً.
وجاء تحت عنوان «رؤية ذاكرات»: إنّ تحمل اليهود المسؤولية عن حصتهم في النكبة الفلسطينية هو شرط حتميّ لإرساء سلام عادل ومصالحة بين سكان البلاد اليهود والفلسطينيين. فذاكرة النكبة الفلسطينية والاعتراف بواجب اليهود الأخلاقي في إسرائيل هما عبء أبديّ يجب على اليهود حمله من أجل حياة أفضل لهم ولكلّ سكّان البلاد. وأهمية الحفاظ على ذكرى النكبة لا تتعلّق بالتغيّرات السياسية والثقافية، بل إنه يتلاءم مع حالة الصراع اليوم، وربما ستكون له أهمية أكبر في استقرار حالة السلام مستقبلاً. فالسلام سيسود في البلاد فقط بعد أن يتمكّن كافة أهلها ولاجئيها من العيش دون تهديد بالطرد أو منع العودة بالقوّة. لذلك، فإنّ الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم هو شرط حتميّ لتأسيس سلام ونظام ديمقراطي حقيقي في البلاد. ويجب ألا يكون حق العودة متعلقاً بطابع التسوية السياسية النهائية في البلاد (دولتان، دولة واحدة، أو كونفدرالية).
وأطلقت جمعية «زوخروت» (ذاكرات) في ذكرى يوم النكبة الخامس والستين «وثيقة يافا»، التي تقترح تخطيط عودة الفلسطينيين إلى منطقة تل أبيب ويافا، ووزعت في اليوم نفسه أيضاً أول خارطة عن النكبة باللغة العبرية.
ويطرح مشروع «تخطيط العودة»، حسب قول عمر الغباري، المسؤول عن هذا المشروع، تصوراً عملياً لكيفية تطبيق حق العودة. حسب شروط أساسية، منها: لكل لاجئ الحق في العودة، وله الحق على أملاكه، ومن جهة أخرى، فإن العودة لن تؤدي إلى طرد يهود من أماكن سكناهم. ولا يوجد شكل واحد للعودة. ويمكن أن تكون على عدة أشكال، فعلى سبيل المثال، العودة اليوم إلى قرية مسكة التي لا تزال أراضيها خالية من السكان ومعظم أراضيها الزراعية لا تزال موجودة تختلف عن العودة إلى بلد الشيخ التي هدمت كلياً وأقيمت مكانها مدينة «نيشر» الإسرائيلية. أو عن العودة إلى عسقلان التي أقيمت مكانها مدينة «أشكلون». أو أقيم مكان القرية مؤسسات أكاديمية مثل قرية الشيخ مونس التي أقيمت على أراضيها جامعة تل أبيب. فالتخطيط لعودة سكان قرية أراضيها لا تزال خالية من السكان يختلف عن التخطيط لقرية أقيمت مكانها بلدة إسرائيلية، وفي هذه الحالة نقترح أن نقوم ببناء القرية في أقرب مكان من موقع القرية الأصلي، ودون التنازل عن حق أهل القرية في أرضهم والاستفادة منها.
وأشار إيتان برونشتاين، معد خارطة النكبة باللغة العبرية والمدير العام لجمعية «زوخروت» إلى أنه يمكن الاستعانة بهذه الخارطة خلال عملية التخطيط للعودة. ويقول: أطلقنا عليها اسم «خارطة النكبة»، وهي تضم كافة البلدات التي دمرتها الحركة الصهيونية. وما يميز هذه الخارطة أنها توضح باللون الرمادي كافة البلدات القائمة حالياً، ومن ناحية ثانية علّمنا كافة البلدات العربية التي دمرتها الحركة الصهيونية بلون بارز. وهذه الخارطة مفيدة جداً في سياق تخطيط العودة.
وتستعرض الخارطة جميع البلدات التي هدمت في البلاد منذ بدء ممارسات الحركة الصهيونية. فهناك بلدات دمرت قبل النكبة، وهي قرى فلسطينية صغيرة قامت الحركة الصهيونية بشراء أراضيها من إقطاعيين كبار، وقامت بطرد السكان منها، وهي نحو 62 قرية. ووضعنا أيضاً علامات على قرى يهودية هدمت عام 1948 وهي 22 قرية، ونجد قرى يهودية هدمت قبل عام 1948، وهي ثلاث قرى. وتطلعنا «خارطة النكبة» على كافة البلدات الفلسطينية التي دمرتها إسرائيل. ووضعنا علامات على 678 بلدة مهجرة. وذلك بثلاث طرق مختلفة وفق حجمها، قرى صغيرة قطن كل منها 100 شخص. وبلدات متوسطة قطن كل منها من 100 - 3000 شخص. وبلدات كبيرة (مدن) قطن كل منها أكثر من 3000 شخص. ونجد في الخارطة 127 قرية في الجولان دمرت خلال حرب 1967.
بالمقابل، تلعب المؤسستان الأكاديمية والإعلامية في إسرائيل دوراً مهماً وخطيراً في عملية التضليل وطمس الحقائق وقلبها رأساً على عقب. وعلى سبيل المثال زعم وجود نكبة «يهودية» وتعرض يهود الدول العربية لـ«محرقة صغرى». وأعمال النهب والسلب ومصادرة الأملاك والتهجير بحق يهود البلدان العربية الذين لم يعلنوا الحرب على أي من البلدان التي كانوا يقيمون فيها، بل كانوا «مواطنين أوفياء»!.
وادعى الإسرائيليون أن الفلسطينيين هم أعداء أنفسهم، فنكبتهم هي من صنع قيادتهم، وتناسوا أن النشاط الصهيوني في البلاد العربية هو الذي نقل يهود تلك البلاد من مواطنين مشكوك بولائهم نتيجة الأعمال التخريبية الصهيونية والموسادية في العراق ومصر، على سبيل المثال لا الحصر، (حادثة الفرهود، وفضيحة لافون) وإلى محتلين في فلسطين.