تقول أخبار قناة «فوكس نيوز»، الأكثر قرباً وتأييداً من الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إن الأخير سيلقي خطاباً في الرياض تحت عنوان «رؤية سلمية للإسلام». وهناك في الدلالة اللغوية، وعالم السياسة بالتحديد فرق كبير ما بين «الكلمة وبين الخطاب» لأن الخطاب أكثر استعداداً وهيبة ويحمل مضامين فلسفية في تفكيك العنوان. المصدر ذاته يشير إلى أن الرئيس الأميركي استعان بثلاثة أساتذة جامعيين في بناء هذه «الرؤية» التي قد يلقيها أمام زعماء العالم الإسلامي المختارين من قبل الرياض للاجتماع به.
الفكرة والعنوان بالنسبة لنا قد تبدوان مستفزتين وصادمتين، إذ كيف يأتي زعيم مسيحي إلى طرف طاولة اجتماع زعمائنا ليحاضر فينا عن رؤية سلمية للإسلام؟ والجواب المباشر بكل وضوح وصراحة يكمن في جملة واحدة: لأننا لم نفعل نحن شيئاً عملياً واحداً لبلورة مثل هذه الرؤية. نحن جلسنا إما محايدين أو مترددين ونحن نشاهد كل هذه الفئام، ومن كل المذاهب تختطف هذا الدين العظيم وترهبنا نحن أهله به، وللمفارقة فإن حجم أعداد القتلى خارج محيط العالم الإسلامي لا يتجاوز حتى 2%. لكن قيمة الإنسان والمواطن لديهم أكبر بكثير من كونه رقماً مهملاً كما هو لدينا للأسف. نحن دائماً نهرب مع موج الإرهاب الهادر إما إلى السكوت أو التبرير. بلغ الحال ببعضنا أن يجاهر بالفتوى التي تقول إنه لا يجوز الترحم على قتلى الإرهاب من خارج أهل السنة، وفي كل العالم، مع جواز إدانة عملية الإرهاب، هي فتوى قبول وتبرير فجة لا تحمل أدنى قدر لاحترام هذا الدين وأهله. لم نفعل شيئاً يذكر في التعليم والمدارس والجامعات. في فضائنا زحمة مئتي قناة دينية وكل واحدة فيها تشتم الأخرى وتكفر متابعيها، وكل هذا الطوفان صادر بتراخيص المؤسسة الرسمية في كل بلد إسلامي. تطربنا على الدوام جملة «إن هذا لا يمثل الإسلام» بعد كل عملية إرهابية، وهي صحيحة مئة بالمئة، ولكن فلنواجه الحقيقة في أنها تمثل فئاما من مسلمي هذا العصر، مثلما تمثل كل من يستطيع فعل شيء لمواجهتها ولم يفعل، العالم من حولنا بكل اتجاهات البوصلة أعطانا فرصة كبرى للمراجعة ولعمل شيء ولكننا لم نفعل. تحاشى زعماء الدول الكبرى في البداية ربط الإرهاب بالإسلام والمسلمين مع كل عملية على أراضيهم. بعدها انتقلوا إلى الخطوة التالية بالحديث الخجول عن «الإرهابيين المسلمين» كي يربطوه بالأفراد والجماعات لا بالدين. وحين تحدث فرانسوا هولاند لأول مرة بكلمة «الإرهاب الإسلامي» ثارت ثائرتنا غضباً لهذا الربط. بعدها انفرطت سبحة المصطلح على لسان كل سياسي ونحن نتفرج، وكأنهم يتحدثون عن الكونفوشوسية أو البوذية. قالت تيريزا ماي إن الإرهاب الإسلامي أصبح أمراً واقعاً في مدن الغرب وليس معنا سوى التعامل معه كواقع. اليوم نحن أمام المحطة الرابعة حين يأتي دونالد ترمب ليرسم لنا عن الإسلام رؤية سلمية. أرجو ألا تظنوا وهماً أنه سيلحق بخطاب أوباما الشهير بالقاهرة فكلنا يعلم أن ترمب: يفعل ما يقول.