تشهد المدارس اليوم ظاهرة تربوية خطيرة تستدعي التوقف والتأمل، وهي ظاهرة غياب الطلبة قبيل الإجازات الرسمية والاختبارات التي تعاني منها الكثير من المدارس ويصعب التعامل معها وفق القوانين المنصوصة، حيث يلاحظ تزايد مرتفع جدا لنسبة غياب الطلبة في الأيام التي تسبق الإجازات الرسمية والأيام التي تسبق الاختبارات النهائية. هذه الظاهرة مثيرة للقلق، وذلك لخطورتها الكبيرة على الطلبة أنفسهم وعلى المجتمع كافة.
إن عدم انضباط الطلبة في هذه المراحل وعدم التزامهم بالقوانين المدرسية قد ينعكسان سلبا على أدائهم مستقبلا في سوق العمل أو حتى انضباطهم بشكل عام وقدرتهم على تحمل المسؤولية في حياتهم الشخصية والأسرية والمهنية.
وبالرغم من كثرة المقالات التي تطرقت لهذه الظاهرة، وفي حدود علمنا، لا توجد دراسات سابقة تتناول موضوع ظاهرة غياب الطلبة قبل الإجازات الرسمية والاختبارات في السعودية بشكل علمي يوضح أسبابها بدقة ووضوح. إلا أنه يوجد بعض الاجتهادات الشخصية التي تفترض وتتوقع الأسباب بشكل ظاهري. وعلى أية حال تبقى هذه الأسباب مبهمة طالما أنها لم تدرس بشكل علمي مقنن.
ومن هذه الأسباب: البيئة المدرسية ومدى جاذبيتها للطلبة، فالمدارس التي لا توفر بيئة محببة لدى الطلبة، كالمباني المستأجرة التي تفتقد أماكن الترفيه من ملاعب وصالات رياضية وغيرها قد تكون سببا في تغيب الطلبة. لذلك فإن توفير مرافق وأنشطة ترفيهية جديدة تتناسب مع متغيرات العصر داخل المدرسة قد يساهم في رفع مستوى دافعية المتعلم للحضور والمشاركة، كالأنشطة التي تتضمن استخدام الأجهزة الإلكترونية والتطبيقات الحديثة.
وعي الأسرة بأهمية التزام أبنائها بالحضور قد يعتبر سببا آخر مهما، فعندما تجهل الأسرة هذه المسؤولية والدور الكبير فإنها قد تتهاون في حرصها على متابعة مواظبة حضور أبنائها للمدرسة، الأمر الذي يساعد على انتشار ظاهرة الغياب. وهذا يتطلب من المدرسة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى نشر الوعي بأهمية التزام الأبناء بالحضور إلى المدرسة.
الإدارات المدرسية ومدى تطبيقها للأنظمة قد يكون أيضا أحد أسباب ظاهرة الغياب، فبعض الإدارات المدرسية قد تتهاون في تطبيق القوانين أو تستخدم أساليب تقليدية مستهلكة في الثواب والعقاب، مما يخلق عدم مبالاة لدى الطلبة في الالتزام بالحضور. لذلك فإنه من الضروري التزام إدارة المدرسة بالقوانين، إضافة إلى التجديد بأساليب الثواب والعقاب بما يتناسب مع التطورات العصرية، كتحفيز الطلبة من خلال أخذهم برحلة إلى أحد المواقع الترفيهية كشكر وتقدير على المواظبة على الحضور. أو معاقبتهم على الغياب من خلال تكليفهم بأعمال إضافية تعود بالفائدة عليهم كتنظيف الفصل أو المدرسة.
وكما هو معلوم أن المعلم هو المؤثر الأكبر على الطلبة داخل المدرسة والمسؤول عن إثارة دافعيتهم للتعلم وتعزيز حبهم للمدرسة. لذلك فإن تقصير المعلم في استخدام الأساليب والطرق التي تثير دافعية الطلبة قد ينتج عنه عدم رغبة الطلبة في الحضور إلى المدرسة. حينما يشعر المتعلم أن له دورا وقيمة في المدرسة يبني لديه الإحساس بالمسؤولية والذي يدفعه إلى الحرص على الالتزام بالحضور، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تكثيف الأنشطة وطرق التدريس التي تجعل كل متعلم عنصرا أساسيا في اكتمال عملية التعلم، كالأعمال والمشاريع الجماعية.
ولا يخفى على الجميع أن للإعلام صدى كبيرا وتأثيرا بليغا على أبناء المجتمع في الوقت الراهن، خصوصا الإعلام الجديد الذي يتمثل بتطبيقات التواصل الاجتماعي، فإنه قد ينشر من خلال هذه المواقع مواد تعزز وتشجع على عدم الانضباط والاهتمام بالمدرسة، كالمواد التي تسخر من منسوبي التعليم أو حملات المطالبات بإجازة. لذلك من الضروري أن يتم استغلال هذا الجانب لنشر مواد تزيد من الوعي بأهمية المدرسة وللحد من ظاهرة الغياب.