من المناظر المؤسفة التي تتكرر كل عام في نهاية الفصلين الدراسيين الأول والثاني، وخلال فترة الاختبارات النهائية، منظر الأوراق الملقاة في ممرات وفناء المدرسة وأمام بواباتها، والذي مهما ابتكرت المدرسة من حلول مؤقتة كوضع حاويات لوضع الأوراق والكتب الدراسية فيها، أو أخذ تعهدات على الطلاب في بداية العام على إعادة تسليمها للمدرسة قبل تسليم النتائج؛ وغيرها من الحلول التي لم تثبت جدواها حتى الآن، ولن تثبت ما دامت العلاقة بين الطالب والتعليم في بلادنا تمر بفجوة معرفية وأخلاقية كبيرة، حتى صارت المدرسة والذهاب إليها عبئا يحاول الطالب التخلص والتخفف منه من خلال مظاهر عديدة، نلحظها كأولياء أمور وتربويين منذ سنوات؛ فهم يتحينون أي فرصة للغياب، ويفرحون بالإجازات الرسمية، ويغيبون لأيام قبل مواسم الإجازات والاختبارات في ظاهرة لافتة على مستوى الوطن، فضلا عن غياب الاحترام والتقدير بين المعلم والمتعلم، وعدد من الظواهر السلوكية السلبية التي تزداد عاما بعد آخر في إشارة إلى أن بيئة التعليم لدينا غير جاذبة، وعلى وجود خلل في منظومة التعليم، وتعدد الأسباب المؤدية إليه.

في مثل هذا الموقف وغيره من المواقف السلبية التي تحدث من الطلاب في مدارسهم – كحادثة تمزيق الكتب تلك - تتبادل الأسرة والمدرسة التهم عن المسؤول عن مثل هذا الخلل السلوكي والتربوي لدى الطالب، وتحسم الوزارة الأمر بقرارات قد تكون عشوائية وغير مجدية أو كحلول مؤقتة، وربما لا تلتفت للأمر مطلقا. الحقيقة أن المدرسة والمجتمع والأسرة والإعلام ونظام التعليم بأكمله مدان في مثل هذه الأمور التربوية أو التعليمية، والإدانة التي تطال الوالدين تصل أيضا إلى المعلم والطالب والعكس صحيح. فالقيم والأخلاق منظومة متكاملة ليس المسؤول عنها فردا واحدا، أو نطاقا أسريا أو تعليميا بمفرده؛ بل هي مسؤولية تربوية وتنظيمية يتقاسمها الجميع كعلاقة تكاملية بين كل الأطراف متى وضعت في مسارات صحيحة ومدروسة.

لو تساءلنا ما المقدار الذي يتلقاه الطالب في مدرسته من القيم والأخلاق خلال العام الدراسي الكامل بشكل ممنهج وعملي لوجدناه صفرا، وهنا لا نقصد دراسة العبادات والتشريعات التي توجد في المناهج الدراسية بشكل مكرر، ولا الحملات التي تعهد لبعض الأنشطة اللامنهجية، والتي إما تطبق شكليا، أو تهمل تماما، بحيث لا يكون لها أثر يذكر في تكوين الطالب القيمي والأخلاقي، خاصة في هذا العصر الذي تؤثر عليه الكثير من المؤثرات الخارجية، أقلها وسائل التواصل الاجتماعية المتعددة وسهولة الوصول إليها، ويحتاج فيه لتأصيل أخلاقي ومعرفي وسلوكي بالممارسة والتطبيق المستمر وفق النظريات التربوية الحديثة، والخروج به من عوالم التلقين والحفظ والتهميش لاحتياجاته المعاصرة من المشاركة والتقدير حتى يستطيع التمييز بين الصواب والخطأ من السلوكيات والأخلاق، والتي يعلم أن خلف الإخلال بها قوانين وأنظمة ستحاسبه على تقصيره فيها أو تجاوزها.

بالعودة إلى الفيديو السابق الذي أعفي بسببه قائد المدرسة بطريقة لا تخلو من التعسف والتسرع في تحميله المسؤولية كاملة، وكأن الذنب فردي، وليس نتاج وزارة كاملة بكل منسوبيها. لمثل هذه الظاهرة السلوكية السلبية من تمزيق الكتب وإتلافها أقترح على وزارة التعليم بعض الاقتراحات التي قد تسهم في الحد من هذا الأمر أو إنهائه؛ كأن لا يسلم الطالب أي كتاب مدرسي خلال فترة دراسته، وأن تكون الكتب المدرسية خاصة بالمدرسة فقط ككتب المكتبة العامة، يستعيرها الطالب للفائدة وفق اشتراطات معينة، ثم يعيدها وقت الانتهاء منها، وتكون مخصصة للتزود بالمعلومات والمعارف التي يستخرجها منها أو يقرؤها فيها، ويدون مع معلمه في كراسات خاصة التمارين والأنشطة والواجبات اللازمة التي تملأ وقت الدراسة حسبما تقتضيه الأهداف التعليمية للمادة؛ علما بأن هذا الأسلوب متبع في كثير من المدارس في دول أخرى التي تركز على الأهداف التعليمية والتربوية لا المناهج المتعددة والكتب المحشوة بكمّ كبير من الكلام الذي يطلب من الطالب حفظه لاحقا. أحد الحلول المقترحة: أن يدفع الطالب مبلغا رمزيا على كل كتاب، وإن كان فيه تحميل الوالدين عبئا ماليا، ولكنه سيشركهم في الحرص على سلامة ونظافة الكتاب الذي يحمله معه ابنهم حتى يعيده إلى المدرسة في نهاية العام، ويسترجع المبلغ المالي، ويخصم منه فقط في حاله إتلافه أو فقدانه، ولو طبقت أيضا على المستلزمات المدرسية التي يستخدمها كالطاولة والكرسي لأنه ينالها عبث كبير كالكتب وتتلف بالكتابة أو النحت أو التكسير خلال فترة استخدامه لها، فسنلحظ الفرق لأن العادة تصبح سلوكا مع الوقت. اقتراحٌ أخير ومهم في ظل الحشو والتكرار والأعداد الكبيرة من المواد خلال المرحلة الدراسية الواحدة للطالب التي تشتته مع طرق التقييم الحالية التي تعتمد على الكمّ وليس الكيف، أقترح تقليل عدد الكتب ودمج مواد التخصص الواحد في كتاب واحد يخلو من التكرار والحشو والمعارف غير المهمة للطالب في تعليمه العام وغير المتخصص. والأهم من هذا كله أن تدخل في مناهج التعليم العام ومنذ مراحله المبكرة مادة خاصة إلزامية عن الأخلاق والقيم والسلوك الإيجابي، وطرق التعامل مع الممتلكات العامة والأنظمة والقوانين المتعلقة بها وبالإخلال بها، وتوعية الجيل الناشئ الذي يتدخل في تربيته أكثر من طرف بأن الذوق العام يجب أن يحترم ويراعى، وأن يعزز لديه الحس الوطني برابط أخلاقي، ويتعلم مبكرا أن أي سلوك سلبي هو المسؤول عن نتائجه وعواقبه، وما يتخذ بحقه نظاما وليس غيره.

أخيرا يا وزارة التعليم، إعفاء قائد المدرسة لم يزد الطين إلا بلة في منظومة التعليم التي تعاني من جوانب كثيرة، والعبء كبير يحتاج معه أن يعاد النظر في أساس الأشياء لا ظواهرها التي نتجت مع سنين من التراكمات الخاطئة.