يمكن اعتبار خطوة تنظيم مؤتمر عالمي كـ"المؤتمر العالمي لظاهرة التكفير"الذي سيقام في المدينة المنورة أوائل السنة المقبلة، خطوة جريئة جدا، في سبيل مناقشة الأساس الحقيقي لمشكلتي التطرف والإرهاب، خصوصا وأن نظرة سريعة للمحاور الرئيسية لهذا المؤتمر توحي بأن الأوراق التي ستقدم ستنفذ إلى عمق القضية بشفافية، ومن المتوقع أن ينتج عنها نقاشات وجدالات ساخنة، لأنها تأتي في ظرف وطني ودولي حساس تنشط فيه جماعات التكفير والتفجير بشكل واضح. وعلى الرغم من الجهد الواضح الذي تقوم به الجهات المنظمة لضمان نجاح هذا المؤتمر وخروجه بالمظهر العلمي اللائق، إلا أنه يحق لنا كمتابعين أن نتمنى ألا يكون مؤتمرا مثل كثير من المؤتمرات الأخرى التي تنتهي فائدتها وصداها بمجرد مغادرة المحاضرين وأصحاب الأوراق العلمية والطروحات الهامة منصات الإلقاء. خصوصا وأن القضية ليست كأي قضية أخرى يمكن التعامل معها من مبدأ "نظمنا وتحدث الجميع وانتهت المهمة"، لأنها قضية حساسة جدا ، يترتب على التعامل معها، مستقبل أمة وأوطان. فلو تمددت ظاهرة التكفير أكثر في المجتمعات الإسلامية، ستمزقها أشلاء جديدة، بل ستعيدها آلاف السنين إلى الوراء. فنحن كأمة الحقيقة نعاني من كارثة، في تكفير بعضنا البعض، حتى لم يعد التكفير المتبادل محصورا على الطوائف الدينية المتناحرة، بل إنه وصل إلى أضيق دائرة داخل الطائفة الواحدة. ولذا أعتقد أنه من الأهمية بمكان مشاركة متحدثين من جميع الطوائف الإسلامية في المؤتمر، ليلقي كل ما عنده بكل حرية وشفافية، فتناقش جميع القضايا المعلقة ـ دائما ـ بصراحة وعلمية، بعيدا عن الإقصاء والاتهام المسبق لهذا وذاك. ولعل وصول أوراق من 29 دولة أمر يعطينا التفاؤل بأن هذا الجانب سيتحقق ولو جزئيا.

ولأن ظاهرة التكفير إرث قديم تنوء بحمله كتب التراث الديني، فإنه من المتوقع أن يتم التطرق إلى أحداث وشخصيات علمية وسياسية كان لها دور واضح في تعزيز ظاهرة تكفير الآخر عبر التاريخ، تبعا لظروف مراحلها وما أحاط بها من نزاعات وحروب لا نعرف حقائقها كاملة.

ولذلك لا يفترض أن تكون هناك أي حساسية من مناقشة طروحات بعض هؤلاء وخصوصا الذين أعطوا قداسة خاصة لدى كل طائفة، وهم مجرد علماء اجتهدوا، قد يصيبون وقد يخطئون ، فإن ثبت أنهم على خطأ، فلماذا نتناحر بسبب آرائهم؟. وفي اعتقادي أن المؤتمر لو استطاع تجاوز معضلة "تقديس" الأشخاص والآراء، فإنه سينجح بامتياز فهي"لب المشكلة " التي نلف وندور حولها في كل المؤتمرات المشابهة.