سورة كاملة عن المنافقين من 129 آية لا تترك وصفا أو خلجة في أعماق الروح، أو سلوكا مريضا انتهازيا أعرج، واعتذارا كاذبا ملفقا، ويمينا غموسا، وادعاءات باطلة، وبهرجة من الكلام السخيف المقرف إلا حررته هذه السورة العظيمة، التي كانت آخر ما نزل من القرآن، وهي تعالج ظاهرة جديدة هي النفاق، ومختلفة تماما عن جو السور المكية؟ بل بدون بسملة في البدء؟ بما فيها قصة الثلاثة الذين خلفوا، ومسجد الضرار حيث جاء الأمر الإلهي بهدم مسجد، بعد أن أصبح وكرا للجاسوسية والترصد والكيد؟
لماذا كل هذا الاستنفار خفافا وثقالا؟ ولماذا يجب أن ينهض الجميع بالواجب؟ ولماذا يجب أن ينفق كل مؤمن نفقة صغيرة كانت أو كبيرة؟ ولماذا اشترى الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة؟ ولماذا حاسب النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين اعترفوا بذنبهم في التقصير، وترك جموعا من المنافقين جاؤوا يحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون، لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون؟
أو لو استطعنا لخرجنا معكم والله يشهد إنهم لكاذبون؟
لماذا كل هذا الاستنفار والحشد؟
إنه مشروع النهوض الحضاري وبناء أمة جديدة من رحم التاريخ وهو الذي كان؟
كنا في أزمة كبيرة أمام مريض يجب تحويله لأقرب مركز في جراحة القلب، وكان من المفروض أن يرافقه طبيب للمركز وأنا على أعصابي، اتصلت لا جواب؟ أرسلت رسالة لا جواب؟ وأنا أعرف جو الكسل والتواكل في أوساطنا، بنفس الوقت الذي أنا فيه عنيد دؤوب لمتابعة مثل هذه الحالات الخطرة، وهو خلق تدربنا عليه حين كنا نعمل مع الألمان معرفة وتفريق الحالات الخطرة من الحالات البسيطة، والمهم هو حس التصرف ويسمونه باللغة الإنجليزية (Attitude) وباللغة الألمانية له لفظ مختلف عن روح المبادرة والتدخل..
ثم مرت الأيام واجتمعنا بالزميل بدأ بالاعتذار؟ وهناك من لا يذكر ولا يعتذر وكأن شيئا لم يكن؟
قلت له اتصلت؟ قال كنت مسافرا إلى الحج؟ جيد! قلت له أرسلت لك رسالة؟ قال الموبايل كان ينقصه الشحن؟ حسنا!
قلت له حين شحنته بعد أسبوع هل عثرت على رسالة؟ قال كنت في الحمام؟ "كتير حلو". أنا أعرف تماما هذه الأساليب التي ينشأ عليها الإنسان العربي عموما! ضحكت وقلت له لو جئتك بألف سؤال لأجبتني بألف وخمسمائة اعتذار! هل تعرف سورة التوبة؟ وكيف وصفها القرآن بأنها موضع اختبار للمنافقين؟ وأنا أعرف أنني أكسب العداوات بالحقيقة الموجعة! بمثل هذه الاختبارات! مثل "ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين".
هذا هو أحد أسرار النهوض أو التردي في استيقاظ الشعوب!
قلت للطبيب كان يمكنك أن ترد علي؟ لأنني أنا من أرسل لك الرسالة وتقول إنني لن أرافق المريض؟ لأن مناوبتي خلصت! ولأن هناك من سيخلف! المهم أي جواب؟ قال سمعت أن المريض نقل والحمد لله!
قلت له كان هذا من حظ المريض بعد أن بذلنا جهودا خرافية لمحاولة نقله إلى المكان الذي لا يموت فيه! والموت والحياة بيد الرب الجبار العظيم.
تابعت: إنكم لا تعرفون العالم وعلى أي نحو يتحرك! لو أن المستشارة الألمانية ميركل جاءها ألف خطاب في اليوم لردت على الألف بدون أي تأخير! هكذا هي الحياة عندهم، ومن أعجب ماروت لي ابنتي بشرى التي ولدت في ألمانيا وتعيش في كندا كيف اتصلت من أجل شهادة ميلادها وكيف وصلت بسهولة للموظف وأعلمها كيف تتلقى شهادة ميلادها عبر القارات، وقال لها لأنها ستذهب عبر القارات فلا حاجة لدفع الرسوم!
علقت ابنتي بشرى: بابا إنهم الألمان كما نعرفهم، والويل لنا في التصرفات في مثل هذه الواقعات؟ أن تجد الموظف الذي يهتم ويخبر بالتفصيلات فضلا أن يرسل شهادة خطيرة عبر القارات!
تابعت للطبيب الهمام: أنتم لا تعلمون العالم وكيف يدار؟ وهو حاليا يدار بيد أجنبية؟ أما نحن فمشروع وفئران تجارب يلعبون بنا ويخططون وينفذون ونحن فاغرو الأفواه لا نعرف ما يجري لنا!
كما سمعت في حرب الخليج وجيمس بيكر يعلن خطته للتصرف في العراق والحرب لم تنشب بعد، مثل أي طبيب يدخل على عملية زايدة ويخرج منها بكل سهولة.
كان يقول كيف ستجري العملية واحتمال المضاعفات والزمن والنقاهة وما شابه.. قبل أن يدخل العراق كان يقول ماذا سنفعل بالعراق والشاهد الوضع السياسي الراهن! ما أريد أن أصل إليه في معالجة مرض التخلف وبث الحيوية في مفاصل شعوب تعيش ليل التاريخ، هي تعلم مثل هذه الشروط والتقنيات من أجل النهوض الحضاري، كل رسالة يجاب عليها! كل استفسار يأخذ صاحبه الجواب وهكذا.. ولكن بيننا وبين الفعالية مسافة قطر الاندروميدا هل تعلم كم هي؟ 150 ألف سنة ضوئية.. السنة ستة ملايين مليون ميل!