نشرت جريدة الرياض قبل ثمان سنوات، وفي مثل هذه الأيام بالضبط (العدد 14569 في 14 مايو 2008) خبراً عجيباً، وهو أن ثلاث دول عربية تحتل المراكز الثلاثة الأولى، على مستوى العالم، من حيث عدد حاملي الشهادات العليا، الماجستير والدكتوراه، مصر الأولى والعراق ثانياً، والسعودية في المركز الثالث. لاحظوا أن الخبر يعني أن ألمانيا التي يعود إليها نيتشه وهيجل وآينشتاين وإنجلز وماركس وهايدغر، وأميركا التي تنفق على التعليم والبحث العلمي أضعاف ميزانيات البلدان العربية مجتمعة، وفرنسا السوربون وباريس التي غيرت البشرية، وبريطانيا بأعرق جامعتين، أكسفورد عام 1167، وكامبريدج عام 1209، عندما كانت تلك الإمبراطورية في طريقها لترفع أعلامها على تسعة أعشار خريطة الأرض، وما من قارة اليوم إلا وفيها عشرات الدول تحتفل باستقلالها عن بريطانيا. أما بلاد الفلسفة والحكمة الأولى، اليونان، فالترجمة في الوطن العربي كله لا تصل إلى 20% مما تنجزه هذه الدولة، المنهارة اقتصادياً. ماذا عن روسيا وإيطاليا وإسبانيا والنمسا وغيرها؟ أقول لاحظوا أن جميع هذه البلدان تحل بعد أساتذة الدول الثلاث الأولى!! فليكن، لكن وبالنظر إلى أحوال التعليم، وغير التعليم، في الدول الثلاث، فإن الأمر يبدو أقرب للتراجيديا، منه للتباهي. لن أذكركم بحيل التصنيفات التي تحتلها جامعات العرب من حين لآخر، ناهيكم عن اختراعاتها العظيمة، كالسيارة المعجزة. وفيما يخصنا أيضاً، فإليكم هذا الركام الضخم، أعني الأطروحات العليا في كثير من المسائل، وأحكام ما يخرج من الإنسان من الروائح والسوائل، ونواقض الوضوء، وأنواع أقمشة الحجاب المفضلة، ومفاسد النساء ووجوههن، والنفساء ودم الحيض، والاستنجاء والاستجمار ومسح الخفين، والأحلام والاحتلام. أنا لا أمزح، هذه مواضيع لشهادات عليا، وأصحابها يتجولون في قاعات وعقول طلابنا ليل نهار، والحقيقة أن هناك أطروحات، بعضها لا يمكن كتابة عناوينها وتقسيمات فصولها، احتراماً للذوق. وأضيف جدياً، على سبيل المزاح، أن هناك كتاباً مطبوعاً، وفيديو على اليوتيوب، يثبت أن أحد الجنّ، واسمه عمر، نال درجة علمية مرموقة من واحدة من أقدم جامعاتنا، والرواية مصحوبة بالشهود، الذين أكدوا أن صديقنا الجني استلم شهادته، وفقه الله، والجامعة الموقرة لم تنف هذا الإنجاز.
بالنسبة للتاريخ الأكثر فداحة، والذي شهدته بعض هذه الصروح منذ 40 عاماً على الأقل، وكيف أصبح الكثير من مرافقها، ميدانا لأنشطة «منظمة»، وثكنات للاستقطاب، من هنا وهناك، وكيف مضت الخطة باقتدار نحو اعتلاء مواقع ومفاصل هذه الكتاتيب، العالي والعام، بما في ذلك منح سيول من الشهادات، والتحكم بالوظائف وفق معايير، علاقتها بالانتماء الخاص، أكثر من علاقتها بالجدارة العلمية والمهنية، فالحديث طويل وشواهده وحكاياته أطول. في النهاية لا بد من القول إن هذه ليست الصورة كلها، فهناك بالتأكيد ما ومن يستحق الاحترام.