تدابير جديدة تتخذها المملكة في سبيل تمكين المرأة لتمارس دورا نهضويا لا يقل قولا وفعلا عن دور الرجل، تناغمت تماما مع ما يتوجب للمرأة من حقوق وواجبات قررتها الشريعة الإسلامية في أصولها وفروعها، ووضعت حدا لممارسات البعض لتحجيم دور شقائق الرجال دون أصل في ديننا الحنيف، وبتفسيرات فردية لنصوص الشريعة.
التعميم الملكي الكريم، صدر بإلزام كافة الجهات الحكومية، بعدم مطالبة المرأة بإحضار موافقة ولي الأمر لإكمال معاملاتها، أو إنهاء إجراءات خاصة بها، ما لم يكن هناك سند قانوني ونظامي لذلك الطلب. ويلزم جميع المؤسسات والجهات الحكومية تحديد الحالات التي يشترط فيها موافقة ولي الأمر، ورفعها للجهات المختصة في غضون ثلاثة أشهر.
ولعل أهمية الحدث فرضته ليكون متناقلا بين وسائل الإعلام العالمية، لحظة إعلانه، وأولته أهمية خاصة، وتغطية موسّعة، لأسباب عديدة، في مقدمتها أن المملكة هي مهبط الرسالة الإسلامية، وأرض الحرمين الشريفين، إضافة إلى ثقلها الاقتصادي والسياسي في العالمين العربي والإسلامي.
ربما يتساءل البعض عن السبب في ذلك التعميم وتوقيته، والإجابة واضحة وتكمن في أن ولاة الأمر في بلادنا لا يتسرعون في إصدار القرارات، ويتيحون للمجتمع الفرصة الكاملة للتطور وفق حاجاته، كما أن المملكة وفي إطار مصادقتها على عدد من الصكوك والاتفاقيات الدولية ويأتي من ضمنها مصادقتها على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وبرغم تحفظها على كل ما يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، فلا بد من اتخاذ التدابير لإزالة كل أشكال وظروف عدم تمكين المرأة من حقوقها الأصيلة، ما دام ذلك يتوافق مع ما ثبت يقينا في مقررات الشريعة الإسلامية. كما أن رؤية «المملكة 2030» أفردت مساحة واسعة لترجمة دور المرأة، واحتوت على توصيات وأفكار كثيرة لتطوير إسهاماتها، وزيادة إنتاجها، وضرورة تمكينها بوصفها عنصرا رئيسا في المجتمع، لا بد من زيادة إنتاجيته، لذلك نادت بأهمية تقليل البطالة في صفوف النساء بنسبة مقدرة.
وغني عن القول إن المملكة بذلت الكثير من المال والجهد، في تعليم البنات، وهيأت لهن المدارس المتميزة والجامعات العصرية، بكافة تخصصاتها، فتخرجت المعلمة والمهندسة والطبيبة، ولم تميز بينهن وبين الذكور في برامج الابتعاث إلى الجامعات الغربية العريقة، لذلك فإنه ليس من المنطقي إهدار كل تلك الجهود وتبديدها بممارسات فردية ليس لها أصل من الشرع، تخنق من طموح المرأة، وتحد من قدرتها على الانطلاق بفعالية في مجتمعها، أو تحرمها من ممارسة حقوقها الطبيعية التي كفلها لها الشرع الحكيم.
اللافت في القرار أنه صدر بناء على ما رفعته الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وهيئة الخبراء، وهو ما يشير إلى أن مجلس الوزراء لا يكتفي فقط بما يرفع إليه من الوزارات، والمصالح الحكومية وهيئة حقوق الإنسان، بل يملك بمؤسساته زمام المبادرة، وتمتد أذرعه وآلياته لتشمل كافة نواحي الحياة. وهي ميزة إيجابية تحسب للمجلس الموقر. ويبقى على المؤسسات الحقوقية المختلفة، خاصة المتعلقة بحقوق الإنسان، كجهات رقابية، أن تسير في هذا الإطار، لضمان التحقيق الكامل لبنود التعميم، وضمان إرجاع الحقوق إلى نصابها.
ومما يجذب الانتباه ويثير الإعجاب أن القرارات التاريخية التي اتخذتها المملكة خلال الفترة الأخيرة، تبدو وكأنها تسابق نفسها، فمنذ مدة ليست بعيدة دخلت المرأة مجلس الشورى كعضو كامل الصلاحيات والحقوق، لها الحق في تقديم الاقتراحات ومناقشة الأجندة والإدلاء بصوتها، والتعبير عن مجتمعها، بحرية كاملة، دون وصاية من أحد، أو حجر لرأيها، في إطار ضوابط الشريعة الإسلامية، كما تم منحها حق الاقتراع والترشح في الانتخابات البلدية، كي توصل صوت الشارع إلى المسؤولين، وتسهم في تنمية مجتمعاتها المحلية، وتقوم بدورها الرقابي على الوجه الأكمل. وخلال الشهر الجاري أرست الإرادة الملكية مبدأ المحاسبة والشفافية، وأكدت بالفعل - لا بالقول - أنه لا يوجد أحد يمتلك حصانة من المساءلة. كل هذه الخطوات الجادة والتاريخية تثبت يقينا وبصورة لا لبس فيها أن المجتمع السعودي وقيادته يخطوان خطوات إصلاحية واسعة للأمام.
اليوم تبدأ المرأة السعودية عهدا جديدا، يمنحها مزيدا من التحليق نحو الإنجاز، ويزيل القيود التي أعاقت قدرتها على الحركة، لتواصل رحلة الإبداع التي تميزت بها، ولتسهم أكثر في تطوير بلادها وإثراء مجتمعاتها، وهي على ذلك قديرة بفضل ما تميزت به من إمكانات كانت مثار إعجاب البعيد قبل القريب.
ختاما، ينبغي القول إن القرار التاريخي يستمد أهميته وقوته من الجهة التي تقف وراءه، وإذا كانت بعض الأصوات التي لا يجد أصحابها الشجاعة للإفصاح عن شخصياتهم، قد بدأت تتهامس هنا وهناك، ولذلك فليعلم الجميع أن القرار سيجد طريقه إلى التطبيق في أقرب فرصة، وسيجد معارضو التطور أنهم مجبرون على الانزواء، كما حدث في مرات كثيرة، بسبب قوة الدفع التي تنتظم المجتمع السعودي، والتأييد الكبير الذي تجده قرارات القيادة الكريمة.
أنا فخور بالمرأة السعودية بما حققنه من إنجازات لبلادها، سواء داخل المملكة أو خارجها.. أنا فخور بأن هذه المرأة العظيمة حققت ما حققته في ظل كل التحديات التي واجهت تمكينها وقيامها بمسؤولياتها التاريخية.. وإنني على ثقة بمستقبل أكثر طموحا وإشراقا لوطن يساهم أبناؤه وبناته على السوية في ازدهاره ونمائه.