* ماثيو لين
انتصار إيمانويل ماكرون ليس مجرد خبر جيِّد لفرنسا وأوروبا، بل هو بمثابة علاج للشفاء من «الحمى الشعبوية» التي ضربت المملكة المتحدة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة بفوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية.
في فرنسا، كما في معظم الديموقراطيات الغربية الكبيرة، أعرب كثير من الناس -في صناديق الاقتراع أو في الشارع- عن غضبهم من نظام لم يعُد يُحقق لهم مستقبلا باهرا. فمع وجود أكثر من 3 ملايين عاطل عن العمل و9 ملايين في حالة فقر، ونظام مدرسي لم يعُد يوفر تكافؤ الفرص، فإن فرنسا -بلد التنوير- لم تحظ بفرصة للتألق، وإنما تقلص نفوذها في العالم.
والواقع أنه لم يتمكن أي حزب سياسي فرنسي، كان قد تولى السُلطة من قبل، أن يُوقف الحركة الشعبوية. لذلك كان الوضع بحاجة إلى رجل جديد من ذوي الخبرة ويتمتع بالذكاء وله أفكار براجماتية طموحة، مثل ماكرون الذي انتخب الآن رئيسا للجمهورية، وأصبح رائدا للحركة السياسية في فرنسا.
ومع ذلك، لم يُقدِّم ماكرون أفكارا متعارضة تماما مع تلك الشعبوية، لكنه قال إنه يُدافع عن مزايا العولمة، في حين يرغب في تنظيمها. ورفض الحمائية وإنهاء التجارة الحُرة. ودعانا إلى أن نكون أوروبيين في أوروبا التي أُعيد تحديثها، وأن نقبل نصيبنا من الهجرة والدفاع عن علمانيتنا.
من ناحية، تمكن ماكرون من إقناع الناس بأنه من المهم تحرير إمكانات البلد، وخلق حوافز أفضل للعمل، وتبني روح المبادرة، وتحرير الأسواق، وتخفيض الضرائب، وإعطاء مزيد من الاستقلالية للأساتذة ورؤساء المدارس. ومن ناحية أخرى، قال إنه من الحيوي توفير حماية أفضل للفرنسيين خلال تدريبهم على القيام بوظائف في عالم جديد، والتركيز على «دولة الرفاه» لمن هم في أمسَّ الحاجة إليها، ومكافحة انعدام الأمن المتزايد، وإتاحة الفرص لتعليم أفضل وتوفير مزيد من ضباط الشرطة.
إذاً، ما الدروس التي يمكن استخلاصها لبقية العالم؟ ماكرون قد أنهى انقسام اليسار - اليمين، وأبطأ نمو الشعبوية، وبنفس القدر من الأهمية أرسى منصة مركزية قوية طموحة، وإصلاح، وتفاؤل مبني على فهم واضح للعالم الجديد.
غير أن المفروض على ماكرون تحقيق نتائج ملموسة في السنوات الخمس القادمة، لكي لا تتاح الفرصة لفوز اليمين المتطرف أو أقصى اليسار بالانتخابات الرئاسية لعام 2022.
ويجب على العالم مراقبة ماكرون عن كثب، لأنه إذا فاز في الحرب ضد الشعبوية وقلَّص نسبة البطالة مع تحقيق الاستقرار، فيمكن أن يكون مصدر إلهام للكثيرين في أنحاء العالم.
مفكر فرنسي يدير شركة استشارات استراتيجية - الجارديان البريطانية