في عصر محفوف بوسائل التواصل المغرضة، وعهد مخطوف بإعلام المحطات الفضائية المدمنة على تلفيق التهم وتزوير الحقائق وإثارة الفتن، تصوروا مملكتنا بدون رؤية صادقة ومتفاعلة مع قضايا الوطن وهموم المواطن، لكي نواجه تحدياتنا بحنكة مهنية، وننفذ خططنا بكفاءة احترافية ونحقق إنجازاتنا بمؤشرات إيجابية. بل تصوروا مملكتنا، التي اعتمد اقتصادها على النفط كسلعة وحيدة للدخل عبر نصف قرن من الزمن، تتراجع فجأة عن تأمين العيش الرغيد لمواطنيها، وتتنازل مرغمةً عن تنمية مجتمعها، وتتوقف لزاماً عن دفع رواتب موظفيها ومستحقات مشاريعها، بسبب انخفاض أسعار النفط أو نفاد مخزونه أو انتهاء الحاجة إليه.
لذا، ولأول مرة في تاريخها، أخذت المملكة على عاتقها مواجهة تحدياتها بصدق وإخلاص دون المساس بالتزاماتها تجاه مواطنيها ومجتمعها، فأطلقت بتاريخ 25 أبريل 2016 رؤيتها لعام 2030 مدعمةً بآليات حوكمة عملها الصادرة في 31 مايو 2016، لتكون مهتمةً بقضايا المواطن الأساسية، ومتوجةً بمسيرة الإصلاح الهيكلية، ومتزامنةً مع خطط تنويع مصادر الدخل الحقيقية.
واليوم، بعد عام من إقرار الرؤية واستكمالاً للشريحة الأولى من برامجها، التي بدأتها ببرنامج التحول الوطني في 6 يونيو 2016، وبرنامج التوازن المالي في 22 ديسمبر 2016، أطلقت المملكة خلال الأسبوع الماضي 10 برامج استراتيجية أخرى، للتأكيد على إصرارها في مواجهة تحدياتنا، والمضي قدماً في جعل وطننا أكثر ازدهاراً ومجتمعنا أكثر حيويةً.
ليومنا هذا قد لا يعلم المواطن أن رؤيتنا الطموحة جاءت لتوفير العيش الكريم لأجيالنا بعد إنقاذ اقتصادنا من عقدة النفط، الذي كان يشكل حوالي 82% من عوائدنا السنوية، مما أدى إلى تراجع إيراداتنا، لدى انخفاض أسعاره العالمية، من 1044 مليار ريال في عام 2014 إلى 608 مليارات ريال في عام 2015، ليرتفع عجز الميزانية 5 أضعاف خلال عام واحد، من 66 إلى 367 مليار ريال. وكان من المؤكد أن هذا العجز سيتفاقم مستقبلاً لتتآكل جميع مدخراتنا وتزداد قيمة ديوننا السيادية، لذا جاءت الرؤية لتحريرنا من الاعتماد على النفط بحلول عام 2020 من خلال زيادة إيراداتنا غير النفطية ستة أضعاف، من 163 مليار إلى 1 تريليون ريال، ورفع حصة صادراتنا غير النفطية في ناتجنا المحلي من 16% إلى 50% على الأقل، والوصول بمساهمة قطاعنا الخاص في ناتجنا الوطني من 40% إلى 60% لتصبح المملكة ضمن أفضل 15 اقتصاداً في العالم بدلاً من موقعها الراهن في المرتبة 19.
وليومنا هذا قد لا يعلم المواطن أن أهداف طرح حوالي 5% من شركة أرامكو السعودية للاكتتاب العام وتخصيص 16 نشاطاً حكومياً بالمشاركة مع القطاع الخاص، جاءت لتحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى صندوق سيادي بأصول تقدر قيمتها بحوالي 2.5 تريليون دولار، ليصبح بذلك أضخم الصناديق السيادية عالمياً، ويسيطر على أكثر من 10% من القدرة الاستثمارية في الكرة الأرضية، لتقدر حجم ممتلكاته بأكثر من 33% من الأصول العالمية. وسيقوم هذا الصندوق باستهداف الاستثمار في القطاعات الربحية داخل وخارج المملكة وعلى رأسها قطاع التعدين السعودي الذي تزيد قيمة موجوداته المؤكدة على 1.3 تريليون دولار أميركي، وذلك لتنويع مصادر دخلنا وزيادة فرص العمل في هذا القطاع إلى 90 ألف فرصة عمل بحلول عام 2020.
وليومنا هذا قد لا يعلم المواطن أن رؤيتنا الطموحة جاءت لترشيد الإنفاق وتصحيح الدعم وتوجيهه للمستحقين فقط، بعد أن ارتفعت تكاليفه السنوية في عام 2015 إلى 500 مليار ريال، لتعادل 25% من الميزانية و12% من ناتجنا المحلي الإجمالي، حيث كان منتجو الماء والكهرباء يحصلون على زيت الوقود الثقيل بسعر 0.43 دولار أميركي، بينما يبلغ السعر العالمي 15.43 دولارا أميركيا، ويحصلون على الغاز الطبيعي بسعر 0.75 دولار أميركي، فيما يصل سعره العالمي إلى 9.14 دولارات أميركية، ويحصلون على الديزل بسعر 0.67 دولار أميركي، بينما يبلغ سعره العالمي 21.67 دولارا أميركيا، ويحصلون على الزيت الخام بسعر 0.73 دولار أميركي، بينما يصل سعره العالمي إلى 19.26 دولارا أميركيا.
وليومنا هذا قد لا يعلم المواطن أن رؤيتنا الطموحة أصرت على الاستمرار في التنمية البشرية وتوليد وظائفنا الوطنية. لذا ركزت أهداف الرؤية على تخفيض معدلات البطالة من 11.6% إلى 7%، ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 30%، وزيادة نسبة مدخرات الأسر من إجمالي دخلها من 6% إلى 10%. ولتحقيق هذه المؤشرات كان لا بد من زيادة المحتوى المحلي لحجم مشترياتنا الخارجية، التي وصلت إلى 230 مليار دولار أميركي في العام الماضي، وتشمل القطاعات العسكرية والنقل وتقنية المعلومات، لتتخذ المملكة قراراً حاسماً بتصنيع 30% إلى 50% من هذه المشتريات محلياً، لننجح في توليد الوظائف وتوطينها ونقل التقنية وزيادة صادراتنا غير النفطية.
وليومنا هذا قد لا يعلم المواطن أن برامج رؤيتنا الحاسمة حققت خلال عام واحد منذ إطلاقها العديد من الإنجازات، مما دعا صندوق النقد الدولي في أوائل الشهر الجاري للإشادة بسياسة الإصلاح الاقتصادي التي انتهجتها المملكة، مؤكداً نجاحها في الصعود للمرتبة الأولى في العالم كأقل الدول في نسبة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي، الذي لم يتجاوز نسبة 15.6%، بينما جاءت روسيا في المرتبة الثانية بنسبة 17%، وتركيا في المرتبة الخامسة بنسبة 29.1%، وارتفعت هذه النسبة إلى 76% في أوروبا، و105% في أميركا، و230% في اليابان. كما حققت المملكة خلال شهر فبراير الماضي فائضاً بقيمة 29.2 مليار ريال مقابل عجز قدره 403 ملايين ريال خلال نفس الفترة من العام الماضي، مع انخفاض معدلات التضخم وعجز الميزانية إلى أقل من 50% عما كانت عليه في العام السابق.
تصوروا لو لم يكن لدينا رؤية.