لست متأكدة بأنني كنت سأصبح كاتبة أكتب بانتظام في الشأن المحلي منذ ما يقارب خمس عشرة سنة، وأنا يومها طالبة على مقاعد الدراسة الجامعية، فيما لو كانت أحوال المرأة في بلادي مرضية أو متوافقة مع طموحاتي. فشعلة الكتابة في أحيان كثيرة تولد من رحم المعاناة، وهذه المعاناة ليست بالضرورة أن تكون شخصية، ولكنها معاناة تلامسها حولك وتدرك بأنك لست سوى قاب قوسين منها فيما لو تغيرت الظروف. ولو أحصيت عدد المقالات التي كتبتها في صحيفة «الوطن» فقط -عددها يزيد عن 400 مقالة- لوجدت بأن نصفها تقريبا يدور حول المرأة وقضاياها التي لا تنتهي عندنا. في السنوات الأخيرة حاولت ألا أكتب عن هذا الموضوع بقدر استطاعتي، فقد بات بالنسبة لي مكررا حد التشبع، والتكرار ممل جدا بالنسبة لي. لكنني أقر اليوم بأن هذا القرار ليس صائبا! فقد وجدت بأن مرده الأساسي ليس الملل، وإنما اليأس الذي لا يليق بأصحاب القضايا المصيرية، كما أنه لا يصح أن تتوقف عن التسويق لقضية أنت مؤمن بعدالتها حتى يتحقق ما تصبو إليه. فماذا يجب أن نكتب عن المرأة السعودية؟

لا شك أن ما صدر عن الأمر السامي مؤخرا من توجيهات لأجهزة الدولة في كيفية التعامل مع المرأة، وعدم اشتراط موافقة ولي الأمر المطلقة على كل قرار متعلق بها، يصب في اتجاه تعزيز مواطنة المرأة السعودية، وفي تمكينها من مباشرة أمور حياتها، وتحقيق طموحاتها بقدر أقل من التعقيدات. وفي واقع الأمر، فإن الدولة قد أصدرت في أوقات متفاوتة تعليمات جيدة تصب في الاتجاه نفسه، وتهدف إلى حماية المرأة من تعسف محتمل لبعض أولياء الأمور. إلا أن الكثير من الأجهزة الحكومية ومن شركات القطاع الخاص، كانت تختار جهلا أو تجاهلا أو توجسا أو عدم قناعة أن تتجاهل هذه التعليمات والقرارات، وتقوم باجتهادات إجرائية وقانونية تنسف هذه الجهود. أما الآن بعد أن أصدر راعي هذه البلاد وقائدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله- توجيهاته السامية بهذا الخصوص، فلم يبق لأحد عذر. والجهة التي تختار أن تواصل التجاهل عليها أن تتعرض للتحقيق والعقوبة. فهل ما زال للمرأة السعودية مطالب بعد الآن؟

للأسف ما كدنا نفرح بالتوجيهات الجديدة حتى تداول المغردون في شبكات التواصل تصريحا منسوبا لمتحدث من هيئة حقوق الإنسان يوضح فيه بأن «ابتعاث المرأة وتصريح السفر واستخراج الجواز يُشترط لها موافقة ولي الأمر، وقيادة المرأة للسيارة موضوع خلافي وقرار مجتمعي». فإن صح ذلك، فهذا يعني أنه ما زال أمامنا الكثير والكثير لنناضل من أجله كنساء سعوديات. وأستغرب استمرار استخدام حجة المجتمع فيما يتعلق بموضوع قيادة المرأة للسيارة. فلو استمعنا للمجتمع إياه – خاصة في قضايا المرأة- لكنا لليوم بلا بطاقة هوية شخصية للإناث، وبلا مدارس نظامية للبنات، ودون جامعات حكومية للنساء، ومن غير مبتعثات ولا طبيبات ولا مهندسات ولا محاميات. باختصار لظلت المرأة متاعا يتصرف فيه ذكور العائلة فيزوجونها قاصرة لمن يرونه مناسبا لهم، دون أن يكون لها من الأمر شيء. المصلحة العامة للنساء المتضررات من الحظر هي من يجب أن تحسم هذا الموضوع الذي يكبل حياتنا اقتصاديا واجتماعيا من ناحية، ويسيء إلى سمعة ديننا، ويعرض بلادنا للأسف للتندر والسخرية والنقد اللاذع على صعيد عالمي. ولو كان ذلك النقد موجها لشيء من صميم ديننا وقيمنا وثوابتنا الوطنية، لدافعنا عنه بضراوة، رضي من رضي، وغضب من غضب، لكن كيف تدافع عن الأوضاع المائلة؟

وبعيدا عن السفر والقيادة والابتعاث وجواز السفر، ما زالت النساء حتى من تشغل مناصب مهمة موازية لمناصب الرجال، وتتمتع بتعليم عالٍ قد يفوق إخوتها الذكور تعاني من محدودية سلطاتها وصلاحيتها بدون سبب إلا لجنسها.

لنأخذ مثالا البنوك، يطلبون منا دائما أن نراجع الفرع النسائي، لكن ما أن تجلسي لدى الموظفة، وتطلبين طلبات مختلفة عن المعتاد (أي غير فتح حساب وسحب وإيداع)، أو تكون لديك مشكلة ما، ستجدينها ترفع السماعة على مديرها، حتى لو كانت هي نفسها مديرة الفرع، لتسأله وتستشيره وتأخذ إذنه. في صورة توضح للأعمى بأن موظفات البنوك هن في الغالب موظفات استقبال يقمن بأعمال سكرتارية وخدمية، لكن «القرار» المهم هناك.. خلف الجدار.

ولا تختلف الدوائر الحكومية عن ذلك كثيرا، نفس المشهد يتكرر، بل حتى في الجامعات، صروح المعرفة وديار العائدين من أميركا وأوروبا، نجد أنه – باستثناء الجامعات النسائية البحتة- فإن الرئيس رجل، والوكلاء والعمداء ورؤساء الأقسام والمراكز والبرامج كلهم رجال، مع استثناءات قليلة لا تُرى بالعين المجردة. ربما درس الدكتور وزميلته في نفس الجامعة الأميركية، وربما حصلا على الشهادة في السنة نفسها، لكنها ستكتشف فور العودة بأنه ينتمي للجهة التشريعية، فيما تسكن هي الجهة التنفيذية، وبالتالي ينعدم مبدأ تكافؤ الفرص، ليس في المناصب فقط، وإنما في البحث العلمي والتدريب وريادة الأعمال وغيرها. فليس مستغربا أن نجد في نفس الكلية عضو هيئة تدريس يشغل ثلاثة أو أربعة مناصب مختلفة، في حين لم تحصل هي، بغض النظر عن علمها أو كفاءتها أو أقدميتها أو قدراتها الإدارية، على منصب إداري واحد. وهذه المناصب لا تطلب لذاتها، ولكنها تفتح أبوابا أخرى للدخل المادي الإضافي، وللترقية وللتعاون خارج وداخل الجامعة. باختصار، في بيئة العمل بشكل عام، لا تزال المرأة في المقعد الخلفي، حتى عندما تسلم منصبا ما، فإنه يتم تصميمه بحيث يكون منزوع الصلاحيات، ولا بد أن يمر عبر قناة ذكورية.

فنعود للسؤال السابق: ما هي أحلام المرأة السعودية اليوم؟

التمكين الحقيقي الذي يعني مواطنه حقيقية، تتساوى فيها مع شقيقها الرجل في الحقوق والواجبات، إلا ما يستثنى – وذلك محدود جدا- من قبل الشرع الحنيف.

المرأة لا تهدف إلى الاستيلاء على وظائف الرجل أو على مناصبه، لأنها في الأصل لا ينبغي أن تكون تلقائيا لا له ولا حتى لها. ينبغي أن يكون المعيار هو الأفضلية والأهلية، ويصبح الجنس (النوع ذكر أو أنثى) أمرا ثانويا بل وهامشيا. في أوروبا وأميركا كنت أنسى أحيانا أنني امرأة، أي لا أفكر بذلك بشكل متعمد، بينما أعي ذلك جيدا كل صباح، حينما أنتظر بضجر رد سائقي على مكالمتي لتجهيز سيارتي.