سيذكر التاريخ موقفا نبيلا لوزير الصحة الأسبق، الدكتور حمد المانع، الذي كان في زيارة لأحد المستشفيات في المنطقة الجنوبية، فسمع صراخ طفل فتكت به نوبات الأنيميا المنجلية ولم تسعفه كل المهدئات، فعاد في اليوم التالي إلى وزارته واجتمع بمستشاريه، وطالبهم بحل عاجل لهذا المرض الذي اغتال براءة الأطفال، وخنق العبرات واعتصر قلوب الآباء والأمهات.

كان قرار إطلاق برنامج فحص ما قبل الزواج تاريخيا، إذ عُقدت عليه كل الآمال لوضع نهاية سعيدة لكل قصص المعاناة والألم.

آلاف الأشخاص في مجتمع منطقة جازان، وجُلّهم من الأطفال، إما مصابون أو حاملون لأمراض الدم الوراثية، وعلاقتهم بطوارئ المستشفيات والمهدئات والأدوية المخدرة وعمليات نقل الدم التي تحمل كثيرا من المخاطر، هي علاقة معاناة شبه يومية.

ويزداد حجم المأساة عندما يعلم ذلك الطفل أن هذا القدر سيظل ملازما له حتى آخر أنفاسه.

كثير من هؤلاء الأطفال لا يستطيع المقاومة، وذلك لضعف مناعتهم أو لإصابتهم بجلطات متعددة في أماكن مختلفة من ذلك الجسد الهزيل، فيغادرون هذه الحياة وفي ذاكرتهم رحلة ألم ومعاناة كان راحتُها وخيارها الأخير الموت.

إن برنامج فحص ما قبل الزواج سجّل نجاحا في مواجهة الأمراض المعدية التي تنتقل بالاتصال الجنسي، كالتهاب الكبد الوبائي، ومرض نقص المناعة المكتسب «الإيدز»، ولعل السبب الرئيسي في هذا النجاح يعود إلى مستوى الثقافة الصحية لدي المقبلين على الزواج عن خطورة تلك الأمراض، وبالتالي يتم إيقاف إجراءات الزواج عند ثبوت إصابة أحد الطرفين بأي من تلك الأمراض المعدية.

ولكن في المقابل، فإن انخفاض مستوى الثقافة بالمخاطر المستقبلية لمرض الأنيميا المنجلية، جعل السواد الأعظم من المقبلين على الزواج يقومون بإتمام عقد النكاح، لا سيما في ظل عدم وجود تشريع يمنع إتمام مراسم الزواج، في حالة ثبوت إصابة أحدهما أو كليهما بالمرض الوراثي، حتى وإن كان قاتلا.

ويظل الحلم الذي يراودنا، سنّ تشريع يمنع ارتباط المصابين بالمرض، ويحمي الأطفال من مستقبل مؤلم، ويحفظ لهم تلك الابتسامة والبراءة التي هي حق مكتسب لكل طفل.

ولا ندري، فربما يأتي يوم نحكي فيه لأحفادنا قصص ذلك المرض الذي فتك بالآلاف من أطفال جازان، حتى صدر التشريع المنتظر.